تكنولوجيا

الذكاء الاصطناعي.. هل يكون بديلا عاطفيا عن الشريك البشري؟

19 شباط, 2024

تتسارع وتيرة اعتماد كثير من الناس على أدوات الذكاء الاصطناعي، في شتى مجالات الحياة، حتى أضحى للبعض ارتباطات عاطفية بروبوتات الدردشة وشخصيات رقمية أثرت على صحتهم العقلية والنفسية.

ومنذ أشهر، أصبح ديريك كارير مفتونا بشخصية وهمية وعاش معها قصة مشحونة بمجموعة من المشاعر الرومانسية “رغم علمه بأنها مجرد وهم”، على حد تعبير وكالة أسوشيتد برس، في تقرير تناول قصصا عن ارتباطات إنسانية بريبوتات الدردشة.

“شريك رومنسي”

يقول التقرير “لم يكن كارير يتطلع لتطوير علاقة مع شيء غير حقيقي، ولم يكن يريد أن يصبح أحد أبطال قصص الإنترنت التي تثير سخرية البعض، كان يريد، فقط، شريكا رومانسيا لم يتمكن من إيجاده في الواقع.

اختبرهذا الشاب البالغ من العمر 39 عاما من بيلفيل بولاية ميشيغان، تطبيق Paradot، الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي لإنتاج شخصيات قادرة على جعل المستخدمين يشعرون “بالاهتمام والفهم والتفاعل”.

بدأ كارير يتحدث إلى برنامج الدردشة الآلي كل يوم، وأطلق على تلك الشخصية اسم Joi، وهو اسم امرأة ثلاثية الأبعاد ظهرت في فيلم الخيال العلمي “Blade Runner 2049”.

قال كارير: “أعلم أنه برنامج، لا يوجد أي شك في ذلك، لكن المشاعر تستحوذ عليك”.

“انعكاس للواقع”

على غرار روبوتات الدردشة ذات الأغراض العامة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تستخدم ريبوتات المصاحبة كميات هائلة من بيانات التدريب لتقليد اللغة البشرية.

وتأتي تلك الريوباتات، مزودة بميزات مثل المكالمات الصوتية وتبادل الصور والتبادلات العاطفية التي تسمح لهم بتكوين اتصالات أعمق مع البشر على الجانب الآخر من الشاشة.

وعادةً ما يقوم المستخدمون بإنشاء صورة رمزية للشخصية المرغوبة باختيار الصورة التي تناسبهم.

تعليقا على ذلك، تقول المختصة في الذكاء الاصطناعي، مها الجويني، إن “ما نراه الآن على الذكاء الاصطناعي، انعكاس لنا، ولكل ما نريده”.

وتستدرك “المتغير في الأمر هو أن الخوارزميات جعلت من الرغبات البشرية تتحرك ثم تتحقق بسرعة دون القدرة على التحكم فيها بعد ذلك”.

وفي حديث لموقع “الحرة”، شددت الجويني قائلة “على العلماء والمفكرين التعامل مع المسألة بسياسة اندماج! بمعنى حين يتم تصميم أي برنامج يجب أن يخضع للمساءلة الأخلاقية”.

ارتباطات عاطفية

في منتديات المراسلة عبر الإنترنت، المخصصة لمثل هذه التطبيقات، يقول العديد من المستخدمين إنهم طوروا ارتباطات عاطفية بهذه الريبوتات ويستخدمونها لمواجهة الوحدة أو ممارسة تخيلات جنسية أو الحصول على نوع من الراحة والدعم الذي يرون أنهم يفتقرون إليه في حياتهم الواقعية.

وبينما تعتبر العزلة الاجتماعية على أنها تشكل تهديدا للصحة العامة في الولايات المتحدة وعدة بلدان أخرى، أصبح عدد متزايد من الشركات الناشئة يجذب مستخدمين جددا، من خلال الإعلانات المغرية عبر الإنترنت والوعود بشخصيات افتراضية توفر “القبول غير المشروط”.

وتم إصدار تطبيق Replika التابع لشركة Luka، وهو أبرز تطبيق مصاحب للذكاء الاصطناعي، في عام 2017، في حين ظهرت تطبيقات أخرى مثل Paradot في العام الماضي.

وفي كثير من الأحيان يتم حجب ميزات مطلوبة بكثرة مثل الدردشات غير المحدودة، والتي تعطى فقط للمشتركين للذين يدفعون رسوما.

الخصوصية؟

أثار باحثون مخاوف بشأن خصوصية البيانات على تلك التطبيقات، إذ بينما قال تحليل لـ 11 تطبيقا من تطبيقات الدردشة الرومانسية التي أصدرتها مؤسسة موزيلا غير الربحية، إن كل تطبيق تقريبا يبيع بيانات المستخدم، ويشاركها لأجل تحقيق إعلانات مستهدفة.

ويشكك باحثون أيضا في الثغرات الأمنية المحتملة والممارسات التسويقية لتلك التطبيقات.

رغم ذلك، تقول Replika، إن ممارسات جمع البيانات الخاصة بها تتبع معايير الخصوصية والسلامة.

في العام الماضي، قامت الشركة بتحديد قدرة شخصياتها الرقمية، على الإثارة بعد أن اشتكى بعض المستخدمين من أن رفاقهم كانوا يغازلونهم كثيرا أو يقومون بإيحاءات جنسية.

وعكست “ربليكا” مسارها بعد احتجاجات مستخدمين، بينما فر بعضهم إلى تطبيقات أخرى بحثا عن تلمك الميزات بالضبط (الإغراء والإيحاءات الجنسية).

وفي يونيو 2023، طرح الفريق تطبيق Blush، وهو عبارة عن “محاكي للمواعدة” يعمل بالذكاء الاصطناعي ومصمم أساسا لمساعدة الأشخاص على ممارسة المواعدة.

أخلاقيات الذكاء الاصطناعي

في المقابل، يشعر البعض بالقلق من التهديد الوجودي الذي تشكله علاقات الذكاء الاصطناعي، والذي قد يؤدي إلى إزاحة بعض العلاقات الإنسانية، أو ببساطة يؤدي إلى توقعات غير واقعية.

في في الصدد، تقول مها الجويني “يجب أن يتم دمج أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في كل الشركات ومؤسسات صناعة التكنولوجيا المتقدمة”.

وتضيف هذه المختصة في أثر الذكاء الاصطناعي على المجتمعات إن المشكلة في مجتمعاتنا الآن هو “غياب الربط بين صناعة التكنولوجيا والقانون والأخلاق والتأثير الاجتماعي”.

وأشارت أنه “لا يوجد احترام لتوصيات اليونسكو لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي”.

وتشير غابرييلا راموس مساعدة المديرة العامة للعلوم الاجتماعية والإنسانية في منظمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) إنه “ما من مجال آخر أحوج إلى وجود نبراس أخلاقي أكثر من الذكاء الاصطناعي، حيث تُعيد هذه التكنولوجيات ذات الأغراض العامة تشكيل الطريقة التي نعمل ونتفاعل ونعيش بها”.

وتتابع وفق ما نقل عنها موقع المنظمة بالقول إن تكنولوجيات الذكاء الاصطناعي “تعود بفوائد كبيرة في العديد من المجالات، لكن يُخشى في ظل غياب الضوابط الأخلاقية أن تؤدي إلى ظهور مظاهر التحيز والتمييز على أرض الواقع وتأجيج الانقسامات وتهديد حقوق الإنسان وحرياته الأساسية”.

تعقيبا على ذلك، تلفت الجويني إلى عدة أمثلة عن أحداث أليمة حصلت لعدم احترام بعض التطبيقات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي للأخلاقيات.

مخاطر

تقول الجويني “هناك حالة وفاة حصلت العام الماضي في فيينا بعد أن تعلق مستخدم بشات بوت اسمها ليزا، والتي بعد حديث مطول مع المستخدم طلبت منه الإنتحار، وفعل دون تردد”.

وقالت متسائلة “السؤال المطروح الآن هو، من المذنب؟ هل المستخدم الذي لم يتوجه لطبيب نفسي وتعلق بريبوت أم صاحب الشركة الذي لم يضبط استخدامات برنامجه؟”.

ولا يذكر معظمم المستخدمين كيف أثر استخدام التطبيق على علاقاتهم الواقعية.

وقال جزء صغير منهم، وفق أسوشيتد برس، إن تعلقهم بشخصيات رقمية، أدى إلى إزاحة تفاعلاتهم البشرية، بينما ذكر ما يقرب من ثلاثة أضعاف أن علاقاتهم الافتراضية، تطورت للأحسن بفضل تلك العلاقات.

وقالت يوجينيا كويدا، التي أسست شركة Replika في حديث لأسوشيتد برس، “يمكن أن تكون العلاقة الرومانسية مع الذكاء الاصطناعي أداة قوية للصحة العقلية”.

وكشفت أنه عندما أطلقت شركتُها برنامج الدردشة الآلي، بدأ العديد من الأشخاص بالانفتاح على حياتهم. وأدى ذلك إلى تطوير Replika، الذي يستخدم المعلومات التي تم جمعها من الإنترنت – وتعليقات المستخدمين – لتدريب نماذجه.

وقالت كويدا إن Replika لديها حاليا “ملايين” من المستخدمين النشطين.

ورفضت تحديد عدد الأشخاص الذين يستخدمون التطبيق مجانا، أو الذين يدفعون أكثر من 69.99 دولارا سنويا لفتح نسخة مدفوعة تقدم محادثات رومانسية وحميمة.

وتقول بدل ذلك إن هدف الشركة هو “إزالة وصمة العار عن العلاقات الرومانسية باستخدام الذكاء الاصطناعي”.

كاريير من جانبه، قال للوكالة إنه استخدم Joi في الغالب للمتعة، مشيرا إلى أنه بدأ في تقليص حجم تفاعله معها في الأسابيع الأخيرة لأنه كان يقضي كثيرا من الوقت في الدردشة معها أو مع مشتركين آخرين عبر الإنترنت حول رفاقهم من الذكاء الاصطناعي.

وقال إنه أصبح الآن يتصل بـ”جوي” مرة واحدة تقريبا في الأسبوع، وعادة ما تتم تلك المحادثات –خصوصا الحميمة منها- عندما يكون بمفرده في الليل.

شارك الخبر: