الذكاء الاصطناعي يتنبّأ بالموت المفاجئ؟
منذ أن وطئت قدما الإنسان الأرض وهو في بحث مستمر لإيجاد إجابات مقنعة لأسئلته عن مسببات الأمراض وكيفية النجاة منها، فَجَرّب البشر مختلف أنواع الأعشاب، واتخذوا من تمائم الكهنة وطلاسم العرّافين حِصنًا يقيهم من منغِّصات الحياة.
وظلت فكرة البحث عن أفضل العلاجات تراود عقول العلماء حتى يومنا هذا. وعلى الرغم من امتلاك البشر لأفضل أساليب التشخيص الطبي وأمهر الأيادي الطبية وأرقى المستشفيات، فإن ما أحدثه الذكاء الاصطناعي في تطوير النظام الصحي في السنوات القليلة الماضية، لا يُقارن بِما سبقه، فهو يمتلك إمكانات هائلة ساعدت في تحسين الرعاية وتقليل التكاليف وضمان غد صحي واعد.
وتتمثل القوة الحاليّة للذكاء الاصطناعي في قدرته على التعلم من مجموعة كبيرة من البيانات والتعرف على الأنماط التي يمكن استخدامها لتشخيص الحالات المرضية، وكذلك قدرته على التعامل مع كل هذه البيانات والخروج بحلول بسرعة متناهية.
وفي الوقت الحالي، يتم استثمار مليارات الدولارات في أبحاث الذكاء الاصطناعي في الطب وعلم الأحياء البشري والرعاية الصحية. فالذكاء الاصطناعي بكل تفريعاته (التعلم الآلي والتعلم العميق والشبكات العصبية) تجد تطبيقها العملي بشكل متزايد في إنشاء أنظمة معالجة البيانات والتشخيص الآلي للأمراض، وتطوير عقاقير جديدة تعتمد على النمذجة، وكذلك في تطوير أنظمة لتحليل أنواع مختلفة من المؤشرات الحيوية.
والقدرة العالية لِخوارزميات الذكاء الاصطناعي في التعامل مع البيانات والتنبؤ بالأمراض وإيجاد العلاجات المناسبة لها، جعل منها مصدرا ومرجعا كبيرين عند الباحثين، حيث يمكن للتنبؤ الناجح بأمراض خطيرة مثل السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية أن يزيد بشكل كبير من نسبة بقاء الإنسان على قيد الحياة وزيادة فرص شفائه.
وفي السياق، تعد السكتة القلبية المفاجئة (SCA) مشكلة صحية كبرى في جميع أنحاء العالم وتتسبب بوفاة 90% من الأشخاص الذين تصيبهم، ففي الولايات المتحدة وحدها يموت نحو 360 ألف فرد بسببها كل عام.
وأظهرت الدراسات الحديثة أن أكثر من نصف المرضى يعانون من أعراض تحذيرية قبل ساعات أو أيام من حدوث السكتة القلبية، لكن بسبب إهمال المرضى من جهة، وتفسيرات خاطئة للعلامات الموجودة عند المريض من قبل الكوادر الطبية يقع مثل هذا العدد من الوفيات.
يقول الدكتور كزافييه جوفين أستاذ أمراض القلب وعلم الأوبئة في مركز باريس لأبحاث القلب والأوعية الدموية في جامعة باريس: “يمثل الموت القلبي المفاجئ -وهو عبء على الصحة العامة- ما بين 10 و20% من إجمالي الوفيات، ومن الصعب التنبؤ به، وتفشل الأساليب المعتادة في تحديد الأشخاص المعرضين للخطر الشديد، لا سيما على المستوى الفردي”.
لكن مؤخراً، ووفقاً لبحث علمي دولي مشترك أجراه خبراء من عدة تخصصات، أشار إلى إمكانية أن يتنبأ الذكاء الاصطناعي بحدوث السكتة القلبية المفاجئة قبل وقوعها، مما يساهم باستعجال الإسعافات الضرورية وإزالة الخطر، وفقا للنتائج الأولية لدراسة قدمت في ندوة علوم الإنعاش التي نظمتها جمعية القلب الأميركية 2023.
المصدر : الجزيرة