“الخماسية” تتحرّك والهدف: فصل ملف الرئاسة عن غزة
كتبت دوللي بشعلاني في “الديار”:
أكّد رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي خلال إحياء الذكرى الـ 46 لتغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه، على ما طرحه في 31 آب الماضي، بأنّ “الدعوة لا تزال قائمة الى الحوار أو التشاور ثمّ الى دورات متتالية لانتخاب رئيس الجمهورية”. وسرعان ما أتاه الردّ من رئيس حزب “القوّات اللبنانية” سمير جعجع خلال القدّاس السنوي عن راحة أنفس شهداء المقاومة اللبنانية، الذي أقيم في معراب تحت عنوان “الغد لنا”، إذ قال في كلمته بأنّ “الطريق الى قصر بعبدا لا تمرّ بحارة حريك، والدخول الى قصر بعبدا لا يكون من بوّابة عين التينة إنّما من مجلس النوّاب في ساحة النجمة”.. وهذا يعني بأنّ قوى المعارضة لا تزال ترفض دعوة الرئيس برّي الى الحوار كشرط أساسي للذهاب الى البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية، أكان حصل التوافق على إسم المرشّح أو المرشحين للرئاسة أم لا.. فما الذي تغيّر في المشهد الداخلي، وما هو الجديد الذي سيقدّمه سفراء “اللجنة الخماسية” في لبنان، والذين يؤيّدون مبادرة برّي، كما مبادرة تكتّل “الإعتدال الوطني” للرئاسة؟
مصادر سياسية مطّلعة تحدّثت عن أن لا تقارب في الوقت الحالي بين عين التينة ومعراب، وقد زاد الشرخ بينهما، ليس فقط مع تكرار برّي دعوته الى الحوار أو التشاور في مجلس النوّاب، رغم عدم موافقة قوى المعارضة على طرحه هذا، لئلا يُصبح عُرفاً يُعتمد أمام كلّ إستحقاق رئاسي، إنّما بسبب تطوّر العلاقة بينه وبين وزير الخارجية الأسبق النائب جبران باسيل. فما حصل من تقارب أخير بين الرجلين، وما يُمكن أن يؤدّي اليه من “توافق” ربّما في موضوع التشاور في حال حصوله، على إسم المرشّح للجمهورية، جعل الشرخ بين جعجع وبرّي يكبر أكثر فأكثر.
أمّا فقدان “تكتّل لبنان القوي” أربعة من نوّابه الذين غادروا “التيّار الوطني الحرّ” أخيراً وينوون تشكيل تحالف نيابي تحت عباءة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، فقد يؤثّر سلباً على إعادة إحياء العلاقة بين باسيل وبرّي. فما يحتاجه “الثنائي الشيعي” هو تحالف نيابي كبير يقف الى جانبه في التصويت لمرشّحه رئيس “تيّار المردة” الوزير السابق سليمان فرنجية، لكي يتمكّن من إيصاله الى قصر بعبدا. وإلّا فإنّ المهمة ستبقى صعبة لتأمين النصاب القانوني (86 نائباً)، والأصوات المطلوبة لانتخاب الرئيس خلال الدورات الأولى أو اللاحقة.
وفي حين يتحرّك سفراء “الخماسية” بعد الإجتماعات التي عُقدت في السعودية مع الموفد الفرنسي الرئاسي الى لبنان جان إيف لودريان، تجد المصادر نفسها وفق المعلومات، بأنّه ليس لدى “الخماسية” أي طرح رئاسي جديد. والسفراء الخمسة ينطلقون بعد اجتماعهم في دارة السفير المصري علاء موسى الخميس من “بيان الخماسية” الصادر في 16 أيّار الماضي، وما جرى التأكيد عليه حول أنّ “لبنان يحتاج ويستحقّ رئيساً يُوحّد البلد ويعطي الأولوية لرفاهية مواطنيه، ويشكل تحالفاً واسعاً وشاملاً في سبيل استعادة الاستقرار السياسي، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. كذلك، فإن انتخاب رئيس هو ضروري أيضاً لضمان وجود لبنان بفعالية في موقعه على طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام إتفاق ديبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية”.
كذلك فهم لن يضيفوا شيئاً، على ما ذكرت المصادر، على ما سبق وأن قالوه وقاموا به بالنسبة الى دعم مبادرتَي برّي، وتكتّل “الإعتدال الوطني” بالنسبة لانتخاب الرئيس. فسفراء “الخماسية” يؤيّدون المشاورات المحدودة النطاق والمدّة بين الكتل السياسية، ويرونها “ضرورية” لإنهاء الجمود السياسي الحالي، على أن تؤدّي الى تحديد مرشّح متفق عليه على نطاق واسع، أو لائحة قصيرة من المرشّحين للرئاسة. وبعد انتهاء المشاورات، يذهب النواب الى جلسة إنتخاب مفتوحة في مجلس النوّاب، مع جولات متعدّدة حتى انتخاب الرئيس الجديد. كما يشجّعون الكتل النيابية وسائر النوّاب للمضي قدماً في التشاور توصّلاً الى انتخاب رئيس للجمهورية.
وأكّدت المصادر السياسية ذاتها بأنّ سفراء “الخماسية” سيعيدون التأكيد على هذه النقاط بعد مضي سنة و11 شهراً على الفراغ الرئاسي، سيما وأنّ شيئاً لم يتغيّر. فالخلافات الداخلية لا تزال على حالها، حتى أنّها تتعقّد، مع انتقاد البعض لفتح حزب الله جبهة الإسناد في الجنوب من جهة، وعدم التوصّل الى أي إتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزّة من جهة أخرى، بل توسّع الصراع الى الضفّة الغربية أيضاً.
من هنا، فإنّ سفراء “الخماسية” سيتمنّون على القيادات السياسية “فصل الملف الرئاسي عن ملف غزّة”، على ما أفادت المعلومات، سيما وأنّ المعطيات على الأرض تشير الى أنّ الحرب في غزّة ستطول كثيراً ولن يتمّ التوصّل الى أي إتفاق بين حركة حماس و”إسرائيل” في عهد الرئيس الأميركي جو بايدن، وإنّ الأمر سيُؤجّل الى ما بعد الإنتخابات الرئاسية الأميركية في 5 تشرين الثاني المقبل ووصول الرئيس الجديد الى البيت الأبيض. كما أنّ الحسابات تتغيّر في حال وصل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، أو نائبة بايدن كامالا هاريس الى البيت الأبيض، رغم تأييد الإدارة الأميركية الأبدي لحليفتها “إسرائيل”. كذلك إذا سقطت غزّة، كما يُخطّط له، لا سمح الله، فإنّ سقوطها سيؤثّر على لبنان والمنطقة، التي ينوي الأميركي تقسيمها الى دويلات تكون فيها حليفته هي الأقوى بين سائر الدول.