لبنان بعد الضفّة؟
جاء في “الراي”:
من خلف دخان «حزام النار» الذي تلفّ به المسيّراتُ الإسرائيليةُ قرى الحافة الأمامية في جنوب لبنان، ودخان ثوران بركان الضفة الغربية التي يُخشى أن تكون على مشارف «غزة ثانية»، تعبّر أوساط واسعة الاطلاع عن الخشية من أن الانحسارَ النسبيّ للجبهةِ اللبنانية في الأيام الماضية ليس إلا في إطار معاودة «ترتيب الأولويات» مرحلياً لبنيامين نتنياهو بحيث سيعود للارتداد إلى حدوده الشمالية ومحاولة تحقيق أهدافه عليها وليس أقلّها إقامة «شريط آمِن» في المقلب الآخَر يوفّر «بوليصة تأمين» للمستوطنين للعودة إلى مستعمراتهم ويُبْعد «شبح» 7 أكتوبر ثانية بـ «توقيع» حزب الله.
وترى الأوساط المطلعة أن مشهديةَ الحرائق المتنقّلة في اليومين الماضيين في البلدات الحدودية في أقضية بنت جبيل ومرجعيون وصور تعكس سياسةً متعمّدةً من «الأرض المحروقة» التي ترمي إلى فرْض أمر واقع بالنار يولد من رماده شريطٌ على الحدود اللبنانية «غير قابل للحياة» ويؤسس للمنطقة العازلة التي تسعى إليها تل أبيب وتريدها من ضمن نطاقٍ منزوع السلاح وتنكفئ عنه قوة النخبة في «حزب الله» (بما بين 8 و 10 كيلومترات) وذلك كتطبيقٍ جزئي أو انتقاليّ للقرار 1701 الذي نصّ على أن يكون جنوب الليطاني خالياً من «أيّ مسلحين ومعدات حربية وأسلحة، عدا التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوة اليونيفيل».
وتَعتبر هذه الأوساط أن من الخطأ التعاطي مع «التمرير المدروس» لكل من «حزب الله» وإسرائيل «قطوع» الردّ على اغتيال فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت والذي «مهّدت» له تل أبيب بضربة استباقية، على أنه يعني طيّ صفحة جبهة الجنوب، لافتة إلى أن 25 اغسطس لم يكن سوى قفْلاً لبابِ ريح كاد يجرّ الجميع والمنطقة إلى فوهة انفجارٍ لا أحد يريده حتى الآن في شكلٍ يَخْرج عن السيطرة أو «يَكشف» أن بعضَ التوازنات وموازين الردع قد تكون «افتراضية» أكثر منها واقعيةً بمعنى التناسب العسكري على مختلف مستوياته.
وفي رأي الأوساط نفسها، أن نتنياهو الذي يَمْضي في سلوك «الثور الهائج» والذي أدار «ولّاعته» في اتجاه برميل البارود في الضفة الغربية، لن يحيد عن «هدفه الأصلي» ونياته المعلنة تجاه جبهة جنوب لبنان، وإن كانت «أولويته الآنية» حالياً تحويل «نهر الدم» إلى الضفة وسط اقتناعٍ بأن تجرؤه عليها يؤشر إلى اعتباره حرب غزة بمثابة «المنتهية» والتي تنتظر اكتمالَ التفاهم على «اليوم التالي» لها، بأبعاده الأمنية والسياسية، وذلك بعد أن «يخنق» استباقياً إمكان رفْد «حماس» بأوكسيجين لإطالة أمد الصمود أو إحياء العمليات الانتحارية بوجه إسرائيل (عبر الضفة) وفق اعتقاده، وربما أيضاً بعد أن يؤمّن توازياً في الحلّ بين جبهتيْ القطاع ولبنان.
ومن هنا، تشير الأوساط عيْنها إلى أنّ نتنياهو الذي يدرك أن هذا النسَق من العمليات العسكرية على جبهة الجنوب ليس كافياً لاستدراجِ تفاهم وفق شروطه، ربما يندفع – ما أن «يرتاح» إلى أنه حقق ما يريده من الانقضاض على الضفة – مجدداً إلى جبهته الشمالية وذلك عبر إشعال «أيام قتالية» مع «حزب الله»، يَعتقد أنه قد «ينْفَذ» بها ومنها إلى تسويةٍ، ولو انطوت على صيغ «حمّالة أوجه» في ظاهرها وبواطنها، خصوصاً بعدما استشعر من ردّ «حزب الله» على اغتيال شكر أنه ومن خلفه إيران (التي تنتظر التوقيت المناسب للرد على اغتيال إسماعيل هنية في طهران) لا يريدان الحرب الشاملة، وهذا ما قد يشجّعه على تحويل الأمر «خط دفاع» له في أي اندفاعة هجومية.
ولم يكن عابراً وفق هذه الأوساط كلام وزير الدفاع يواف غالانت خلال زيارته للفرقة 36 في شمال إسرائيل حيث أكد «أن مهمتنا على الجبهة الشمالية واضحة، وهي ضمان العودة الآمنة لسكان المناطق الشمالية إلى ديارهم. ومن أجل تحقيق هذا الهدف، علينا توسيع أهداف الحرب»، وإن تَدارَكَ بأن «هذا التركيز لن يقلل من التزامنا المطلق بتفكيك حركة حماس وإعادة الرهائن» في غزة.
وفي السياق نفسه وُضع كلام الناطق باسم الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي بحديثه عن «رفع الجهوزية على الجبهة الشمالية» وإعلانه «ان فرقة الجليل (91) استكملت مناورة مشتركة مع قوات الشرطة وغيرها من الأجهزة الأمنية» في إطار «الاستعدادات للتعامل مع سيناريوهات متنوعة دفاعاً وهجوماً».