لا حوار من دون إجماع “الخماسية”.. والعقوبات لن تستثني أحداً
لم يأت بيان مجموعة الخماسية من عدم، فالدول التي اجتمع ممثلوها في الدوحة أصبحت أكثر اقتناعا من ذي قبل أن الطبقة السياسية في لبنان مجتمعة تتحمل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في هذا البلد. وما خلص إليه اللقاء أوحى وكأن الدول المشاركة لم تستثن حلفاءها من تدهور الوضع في البلد واستمرار الفراغ المؤسساتي.
دعت المجموعة الدولية الخماسية إلى انتخاب رئيس للبلاد يجسد النزاهة ويوحّد الأمة من أجل تنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية، مؤكدة الالتزام بسيادة لبنان واستقلاله ولا بد من أن ينتخب لبنان رئيسا للبلاد يجسّد النزاهة.
الأهم هو ما أوردته وكالة الأنباء السعودية الرسمية “واس” أن المجموعة ناقشت خيارات محددة في ما يتعلق باتخاذ إجراءات ضد أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في هذا المجال. ويأتي ذلك بعد أيام من بيان الاتحاد الأوروبي الذي دعا إلى تطبيق عقوبات هادفة في الإطار الذي اعتمده المجلس في 30 تموز 2021 ضد كل من يخالف العملية الديموقراطية والانتخابية في المؤسسات اللبنانية، واعتبر أن السبب في الوضع الحالي في لبنان هم السياسيون في كل أنحاء الطبقة الحاكمة وعرقلة الأحزاب المسلحة بشكل غير قانوني للعملية الديموقراطية والدستورية.
فتح “بيان الدوحة” خطوطا جديدة لحل الأزمة اللبنانية، من دون أن يعني ذلك أن المبادرة الفرنسية سقطت.
فبحسب مصادر مطلعة على الأجواء الأميركية لـ”لبنان 24″ فإن لا أفاق للمبادرة الفرنسية وحدها، وهذا من شأنه أن يشكل حافزا لحراك دول أخرى ضمن الخماسية تجاه لبنان لحل أزمته، خاصة وأن قطر تواصل مساعيها بشكل علني وأيضاً بعيدا عن الانظار وبرضى أميركي من أجل انتخاب رئيس للبنان من خارج المنظومة السياسية، وتحشد تجاه انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون الذي لا يلقى معارضة سعودية ويحظى بتأييد مصري. وهنا تبدي المصادر قناعة أن باريس لم تنجح في إدارة الأزمة في لبنان منذ انفجار مرفأ بيروت. وتفسر ذلك أوساط سياسية بأن باريس تعمل في الوقت الضائع وأنها لا تملك تفويضاً أميركياً جدياً لإنتاج حل للبنان، بدليل أن مقاربتها للتسوية اللبنانية لم تلق ترحيبا أو تأييداً من الدوحة والسعودية على وجه التحديد وهذا يعني أن المسار الأميركي مختلف وأن الاولوية في واشنطن ليست للبنان مطلقاً.
ما تقدم يؤكد أن باريس لن تخطو خطوة من دون التشاور مع “دول الخماسية”، وهذا يعني أن الحوار الذي روج إليه المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان دونه عقبات كثيرة يفترض أن تتبدد قبل عودة الأخير إلى لبنان الاسبوع المقبل. والمعلومات من مصادر دبلوماسية، تشير إلى أن أي حوار حول لبنان يفترض أن تكون بنوده واضحة وأن لا يمس جوهر اتفاق الطائف لا من قريب أو من بعيد، بمعنى أن يكون جدول أعماله متفاهما عليه مع مصر والسعودية وقطر والولايات المتحدة.
وفي هذا المجال تقول مصادر سياسية لـ”لبنان 24” إن رفض القوى المسيحية الحوار مرده قلق هؤلاء من أن تفتح طاولة الحوار نقاطاً أبعد من انتخاب رئيس للجمهورية لتصل إلى إلغاء الطائفية السياسية جزئيا( في إشارة إلى إلغاء الطائفية في وظائف الفئة الأولى) وهذا أمر لا يمكن أن تقبل به، مع إشارة المصادر أيضاً إلى القلق السنّي من المس باتفاق الطائف وقد تظهر ذلك في الموقف السعودي، مسلطة الضوء على أن طرح المثالثة يخسر السنّة ولا يقدم لهم أي ربح او مكاسب.
الأكيد، أن معاقبة معرقلي انتخاب الرئيس وضعت على نار حامية، تقول المصادر المطلعة على الأجواء الأميركية، من منطلق أن لبنان اتخذ في الأونة الاخيرة مواقف لا ترضي الأميركيين والأوروبيين من ملفات عديدة ومن محاربة الفساد وعرقلة عمل المؤسسات. فالاميركيون اليوم اسوة بالاوروبيين يحملون مشكلة الفساد الى السياسيين في كل أنحاء الطبقة الحاكمة بعدما كان يتم حصرها بمكون واحد ووحيد وهذا الأمر يعكس مقاربة جديدة مفادها أن الاجراءات العقابية لن تستثني أحداً.
ولأن مسار التفاهم بين الدول الخماسية حول مبادرة موحدة لا يزال بعيداً والذي يفترض أن يحظى بموافقة إيرانية أيضاً لأن أي تسوية للبنان لا يمكن ان تبصر النور من دون موافقة طهران، فإن المصادر نفسها تشير إلى أن قطار الحل لن يصل إلى لبنان قريبا، ولا بد من التسليم أن لا رئاسة قبل مطلع العام المقبل. وفي الوقت الضائع لا بد أن يشهد لبنان فوضى لكنها ستكون منضبطة إلى حد كبير ضمن الحدود المسموح بها، وهذا يؤكد ان لا حرب اسرائيلية لأن الطرفين(العدو الاسرائيلي من جهة، والمقاومة من جهة أخرى) لا يريدانها.