الردّ اللبناني على الورقة الفرنسية: لا قبول ولا رفض صريحٌ
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لم يتلقف لبنان الورقة الفرنسية بإيجابية ولم يأخذها على محمل المبادرة الجدية، إذ جاءت في وقت بالغ الحساسية. فارتأى لبنان درسها على سبيل إمرار الوقت إلى أن تتوضّح رؤية الوضع في الداخل الفلسطيني وعودة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين الذي في عهدته وحده ورقة الإتفاق على ما بعد وقف الحرب في غزة. أما الشروط الفرنسية فهي من وجهة نظر «حزب الله» محاكاة لمطالب إسرائيل ومصالحها، بل هي أقرب إلى ورقة إسرائيلية من أن تكون فرنسية.
قبل أربعة أيام أنهى لبنان الرسمي جوابه على الورقة الفرنسية، منذ تسلّمها وجد في بنودها شروطاً تريدها إسرائيل. لم تجسّد فرنسا في ورقتها دور الوسيط الطامح لتحقيق الهدوء والإستقرارعلى الحدود الجنوبية، ولم تراعِ مصالح لبنان. وصفت «حزب الله» بالميليشيات وطالبت بشريط حدودي لحماية إسرائيل من دون أن تعرض مقابلاً لصالح لبنان. وأطلقت يد «اليونيفيل» للعمل بمعزل عن التنسيق مع الجيش.
كان الرأي بالإجماع على عدم التعامل بسلبية وافتعال مشكلة مع فرنسا التي تسعى لتأدية دور متعمدة الإيحاء بتنسيق خطواتها مع الأميركيين. لم تسلّم فرنسا «حزب الله» نسخة عن الورقة، بل تبلغ مضمونها من رئيس مجلس النواب نبيه بري. والتقى الطرفان على إعداد ردّ محكم على كل بند من البنود الواردة في الورقة، وعددها 12 بنداً، بالإضافة إلى المقدمة العامة. لم تكن الورقة نسخة معدّلة عن الورقة الفرنسية السابقة، كما قال الفرنسيون. كما لاحظ «حزب الله» أنّ الصيغة الثانية أسوأ من الأولى لجهة مراعاة مصالح إسرائيل بدليل أنّ كل ما ورد فيها يتحدث عما هو مطلوب من لبنان و»حزب الله» مقابل بند واحد مطلوب من إسرائيل، وهو وقف طلعاتها الجوية. رغم سلبية ما ورد فيها، لكن الثنائي، كما رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ارتأيا الردّ بما يلزم بتفنيد البنود استناداً إلى المواثيق الدولية والقرارات المعمول على أساسها منذ عام 2006، فضلاً عمّا يتضمّنه قرار عمل «اليونيفيل» في لبنان، والمحدّد في مجلس الأمن.
باستغراب كبير تلقّف «حزب الله» مضمون الورقة. واظب الخليلان على درسها (المعاون السياسي حسين الخليل والنائب علي حسن خليل) ثمّ أبلغ حسن خليل الفرنسيين فحوى الردّ. أكثر البنود غرابة كانت تلك التي تتحدث عن إقامة حزام أمني ومنطقة خالية من الجماعات المسلحة على طول «الخط الأزرق» وصولاً إلى منطقة الليطاني، ومنح قوات «اليونيفيل» حرية التحرك من دون التنسيق مع الجيش اللبناني الذي ستمده «اليونيفيل» بالدعم لجهة تأمين مستلزمات وجوده على الحدود أي المواد الأولية. تريد فرنسا تعديل صيغة عمل «اليونيفيل» عما هو متفق عليه في صيغة قرار يحدّد نطاق عملها وآليته فيمنع تجوال دورياتها إلا بالتنسيق مع الجيش، على أن يقتصر مرورها في الطرقات العامة من دون حق الدخول في زواريب القرى والبلدات الجنوبية أو التعاطي مع الأهالي. شرط آخر قوبل برفض شديد وهو انسحاب «قوات الرضوان» من المناطق الحدودية المحاذية التي وصفتها الورقة بالميليشيات من دون أي ذكر للمقاومة. هو بند اعتبره «حزب الله» كغيره من البنود غير القابلة للنقاش من الأساس طالما أنّ المطلوب فرنسياً سحب أبناء الجنوب من قراهم، وكيف لأمر كهذا أن يحدث وهناك قرى قدمت عشرات الشهداء خلال الحرب الحالية التي يخوضها «حزب الله» ضد إسرائيل في الجنوب؟ تقاطع «حزب الله» مع بري على اعتبار الورقة ليس ذات أهمية، وتعاملا معها على هذا الأساس.
أعدّ الخليلان الردّ وسلّماه إلى رئيس الحكومة الذي يفترض أن تتولى حكومته إبلاغه رسمياً عبر وزارة الخارجية. بعبارات منمّقة تمّت الصياغة استناداً إلى القرارات الدولية وقرارات مجلس الأمن مع توضيح للعبارات الواردة في النص ومقدمته، فلا يحمل الردّ رفضاً صريحاً للورقة الفرنسية ولا قبولاً لما ورد فيها، إنما أخضع النص لعملية تجويف محكم لما هو مقبول وما هو غير مقبول بما يحفظ ماء الوجه مع الفرنسيين ويفرغ فحوى ورقتهم من مضمونها، خصوصاً أنّها لم تأتِ منسّقة مع الأميركيين بالشكل الذي أوحى به الفرنسيون… وأنّ العيون على رفح وإعلان الهدنة وعودة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين مباشرة بعد اعلان وقف اطلاق النار.
أكثر ما كان صريحاً وواقعياً في التعامل مع الورقة هو «حزب الله» الذي رفضها، كما رفض حرية تنقل «اليونيفيل» وانسحاب «قوات الرضوان»، وردّ وبري على بنودها الأساسية وفرّع بنوداً اضافية. أكثر واقعية في ما ورد قول الفرنسيين إنّ البحث لا قيمة له قبل وقف اطلاق النار على غزة، لكن لتلك المرحلة لاعبها الأساسي وهو ليس فرنسياً على أي حال.