لبنان

عمّال في يومهم: عن أي عيد تتحدّثون؟

1 أيار, 2024

كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:

يتحدّون العمر لمواجهة الحياة، عمّال لم يتقاعدوا بعد لأن ظروفهم المعيشية لا تسمح. لم تهيّئ الدولة اللبنانية الظروف المساعدة لتقاعد عمالها، أبقتهم في حاجة للعمل مع تقدّمهم بالعمر، تجدهم يكدّون في كثير من الأعمال. جلّ ما يخشونه هو المرض، ومع ذلك، يردّدون كلمة واحدة «لازم نشتغل كرمال ما نحتاج حدا».

ترفض فاطمة إيراني إبنة الستين عاماً ونيف أن تقفل محلها لحياكة الصوف في مدينة النبطية، مضى أكثر من ثلاثين عاماً على عملها في مهنة راحت تعتاش منها، بعدما كانت في السنوات الماضية مجرّد «هواية». تغزل خيطان الصوف لتحيك منها ملابس وأكسسوارات فنية، تماماً كما تحيك سيناريو واقعها الحالي، تبذل قُصارى جهدها لمواصلة عملها، وإلا «كيف بدنا نعيش»؟ عبارة تختصر سرّ عملها فـ «لا ضمان شيخوخة لنا، ولا مصدر دخل آخر… لم تترك لنا دولتنا خياراً آخر، لم تترك لنا أن نعيش تقاعدنا بسلام، فرضت علينا العمل حتى الموت».

لا حضور لعيد العمال في يوميات العمّال، ربما نسيوا أنّ لهم عيداً، في كل دول العالم يكَرّم العامل إلا في لبنان، يعيش حالاً من الغبن والقهر، «لم يتركوا لنا مجالاً لنحتفل بعيد العمال» هذا ما تسمعه من القهوجي أبو سعيد الكرشت وقد تجاوز السبعين من عمره، وما زال يحمل إبريق قهوته العربية ويجوب شوارع النبطية وأزقّتها، حين تسأله لماذا يعمل؟ يجيب بسخرية: «مين بيصرف علينا؟ نوابنا؟ دولتنا؟ أم منْ»؟

لم يتعبه إبريق القهوة اليوم بقدر ما أتعبه إجحاف الدولة بحقه وبحق كل عمّال لبنان، فلا رابطة تسأل عنهم، ولا نقابة تطالب بحقوقهم، ولا دولة أنصفتهم يوماً ولو بضمان الشيخوخة. ما يريده أبو سعيد «أن يبقى بصحته كي لا يهان على أبواب المستشفيات». يحلم أن يكون له ضمان شيخوخة، أن يكرّم في نهاية عمره، حلم يؤكد «مستحيل تحقيقه، دخلنا في سباق مع الأزمات والغلاء والاستغلاء، والفقراء والعمال أكثر الناس مضطهدين». ما يتمناه هو أن يحظى يوماً «بالتكريم والدعم»، ولكن ما ناله «الكدّ والتعب»

لا يعترف أبو عبّاس الحلونجي بعيد العمال «كيف نحتفل ولم ننل يوماً أي حق من حقوقنا»؟ لم يتقاعد حتى عن صناعة الحلويات العربية الشعبية، تجاوز السبعين عاماً وما زالت يداه تصنع «أشهى الحلويات الشعبية في النبطية» كما يقول، بل يحرص على «شعبيتها حتى بالسعر»، فـ «إذا دولتنا لم تسأل عنّا، لا يعني أن نتخلّى عن بعضنا». يبيع أبو عباس حلوياته على عربة صغيرة عند مدخل سوق النبطية، يعرض فيها صناعته البسيطة، ويؤكد أنه «ماض في عمله حتى الموت، فالتقاعد يعني نهاية الحياة، والموت فقراً». يجلس على كرسيه، يرتاح قليلاً من عناء الوقوف، «العمر له حق، أمضينا العمل في العمل، لم نرتَح أو نجول العالم كما يفعل عمال الدول الأجنبية، هؤلاء مكرمون، أما نحن، لا يسألون عنّا إلا زمن الإنتخابات».

لم يتشكل يوماً لوبي ضاغط للدفاع عن حقوق عمّال لبنان، بقيت هذه الشريحة مضطهدة نسبياً في بلد غرق في أزماته وأغرق عماله معها، في وقت يحظى الموظف بكل الدعم، فعن أي عيد عمّال يتحدثون؟

شارك الخبر: