وردةٌ على قبر أمّي
كتب داني حداد في موقع mtv:
هذا ليس مقالاً. هو بعض كلمات جمعتها للتعبير عن شعور. ربما قد يجدها آخرون وسيلةً للتعبير عمّا يشعرون به أيضاً في هذا اليوم.
هو عيد الأمّ. يكثر شراء الورود كهديّةٍ للأمّهات. لن أشتري الورد هذا العام أيضاً. وسأصمّ أذنيّ عن سماع الأغنيات التي تتكرّر في مثل هذا اليوم. “ستّ الحبايب”، و”أمّي يا ملاكي” و”أحنّ الى خبز أمّي”. كم أحنّ…
سأجعله يوماً عاديّاً. سأحبس دمعةً وأكمل. هكذا أرادتني أمّي، قويّاً ومنتجاً.
أستعيد اليوم ذكريات كثيرة من طفولتي. أذكر كيف كانت تداعب شعري كي أغفو. وأذكر كيف كنت أرافقها، وقد كنت صغير البيت، كخيالٍ، وأنظر الى عينَيها قبل أن أقبل ضيافة شوكولا أو حلوى، فإن رفعتهما أعتذر عن قبولها.
وأذكر أيضاً حين دخلت اليها في “جنّتها”، المطبخ، في مثل هذا اليوم، وكنت صغيراً أرتدي ثياب الرياضة في المدرسة حاملاً ورقةً صغيرة كتبتُ عليها ما اعتبرته حينها قصيدتي الأولى، ورحتُ أتلو: “تلات حروف بنطقها كلّ يوم، لشخص بِحلَم في بالنوم، وما بوجّهلو ولا لوم. عن كلّ شي بقبل الصوم، إلا عن كلمة إمّي”.
أرغِمت على الصوم عن الكلمة من ثلاثة حروف، منذ رحلت أمّي. وما قلتُ “أبي” يوماً، إذ خسرته قبل أن أجيد النطق. ليست هذه مأساة، بل كانت أمّي في الدورَين وأكثر، وما شعرت بنقصٍ أو عقدة. زرعت فيّ حبّ العمل، وحبّ الوطن وقد اكتشفته من خلال الراديو الأسود الصغير الذي لم يكن ينطفئ طيلة النهار في بيتنا، مع صوت فيروز “خدني زرعني بأرض لبنان”، وصوت وديع الصافي الذي يخترق متاريس الرمل التي كنّا نلعب خلفها، نقتنص أوقات الهدنة، حين يستريح القنّاصون وزعماء الأحياء وأمراء الحرب.
في هذا اليوم، يُحرَم أبناءٌ وبناتٌ من أمّهاتهم. ويحتفل آخرون معهنّ. لا أحسد المحتفلين أبداً.
في هذا اليوم، أستذكر المكافحات كي لا يُحرمن من أولادهنّ بسبب هجرة أو انفصال أو ظلم.
في هذا اليوم، أدركوا أنّ الهديّة الأكبر لأمّهاتكم هي أنتم. ما تقومون به وما تبلغونه من مراتب وما تحقّقونه من إنجازات وما تتجنّبونه من إخفاقات، والأهمّ ما تحفظونه من عرفان جميل.
في هذا اليوم، عانقوا أمّهاتكم طويلاً. عبّروا لهنّ. حين يرحلن، ستندمون، مثلي، على ما فاتكم من عناقٍ ومن تعبير.
في هذا اليوم، وردةُ اشتياقٍ على قبر أمّي.