مصير المفقودين في الحرب السورية يشعل الخلاف السياسي في لبنان
أشعل قرار الحكومة اللبنانية الامتناع عن التصويت على مشروع أممي لإنشاء هيئة مستقلة للتعامل مع قضية المفقودين في سوريا، انقساماً سياسياً لبنانياً، حيث رفض حزب «القوات اللبنانية» وقوى أخرى هذا القرار الذي دافعت عنه وزارة الخارجية بالقول إنه يتماشى مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة من الحكومة بعدم تسييس هذا الملف الإنساني.
وأنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة، الخميس، «مؤسسة مستقلة» من أجل جلاء مصير آلاف الأشخاص المفقودين في سوريا على مدى 12 عاماً، وينص القرار على إنشاء «المؤسسة المستقلة المعنية بالمفقودين في الجمهورية العربية السورية، لجلاء مصير ومكان جميع المفقودين» في سوريا الذين تقدر منظمات غير حكومية عددهم بـ100 ألف شخص منذ اندلاع الحرب عام 2011.
ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعية العامة لإنشاء تلك الهيئة؛ لكشف مصير المفقودين في سوريا، وقال إن السوريين «يستحقون معرفة ما حدث لأحبائهم»، مشدداً على أهمية ذلك للعدالة وتحقيق السلام والمصالحة.
غير أن وزارة الخارجية والمغتربين اللبنانية أوعزت إلى جان مراد، مندوبة لبنان بالوكالة لدى الأمم المتحدة، وبعد التشاور مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالامتناع عن التصويت على مشروع القرار. وقالت الخارجية في بيان إن الإيعاز يأتي «تماشياً مع شبه الإجماع العربي بالامتناع عن التصويت، ورغبة من لبنان بعدم تسييس هذا الملف الإنساني بامتياز، وانسجاماً مع سياسة عدم الانجرار وراء تصويت خلافي يزيد المشاكل ولا يحل قضية المفقودين اللبنانيين التي تشكل جرحاً نازفاً وألماً مستداماً لأهاليهم».
وقالت الخارجية في بيانها: «يتمسك لبنان بحل هذه القضية وقضية النازحين السوريين، من خلال الحوار والتفاهم بين لبنان وسوريا، والأطراف العربية والدولية المعنية، علماً بأن تصويت لبنان مع القرار، في حال كان قد حصل، سيقوض عمل اللجنة الوزارية العربية التي يشارك فيها لبنان والساعية لحل المشاكل مع سوريا».
وجدد لبنان احترامه وتمسكه بتطبيق كافة القرارات الشرعية الدولية المطبق منها والقرارات العديدة التي لم تطبق أيضاً؛ «لأنها جميعها تشكل مظلة حماية للسلم والأمن الإقليميين والدوليين».
غير أن تبريرات القرار الحكومي اللبناني أثارت انقساماً في البلاد، حيث وصف بعض النواب قرار الخارجية بأنه غير قانوني، فيما طالبت «جمعية المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية» وزير الخارجية بالاستقالة.
ويقدر ناشطون حقوقيون لبنانيون عدد المختفين قسراً في سوريا بالمئات، وفُقدوا منذ مرحلة الحرب الأهلية اللبنانية، وفشلت كل الاتصالات مع الحكومة السورية منذ أكثر من 15 عاماً في كشف مصير هؤلاء؛ إذ تقول دمشق إنها لا تعرف شيئاً عنهم. وانضم المصور الصحافي اللبناني سمير كساب إلى قائمة المختفين في سوريا في عام 2013 أثناء العمل في محافظة حلب، واتهمت تنظيمات متطرفة بالوقوف وراء إخفائه.
وتصدر حزب «القوات اللبنانية» قائمة القوى السياسية الرافضة لموقف الخارجية.
وقال رئيس جهاز العلاقات الخارجية في «القوات» الوزير السابق ريشار قيومجيان إن قرار الحكومة «خيانة وطنية وإنسانية بحق المخفيين والمعتقلين اللبنانيين المجهولي المصير داخل سجون النظام السوري»، فيما قال عضو تكتل «الجمهورية القوية» النائب جورج عقيص: «لا يعادل شعورنا بالعار من موقف الحكومة اللبنانية الممتنع عن التصويت عن هكذا قرار سوى سعادتنا العارمة بصدور القرار الأممي عن غالبية الدول الأعضاء».
وقال عقيص: «ما يهمني ويهم أكثرية اللبنانيين هو أن تبادر الهيئة الوطنية اللبنانية للمفقودين والمخفيين قسراً، المنشأة بموجب القانون رقم 105/2018، إلى الاتصال باللجنة الدولية فور تعيين أعضائها والطلب منها إخضاع المخفيين اللبنانيين في السجون السورية إلى نطاق اختصاصها، كشفاً لمصيرهم ولو بعد حين».
وفي السياق نفسه، رأى النائب أشرف ريفي أن «امتناع لبنان عن التصويت في قضية جلاء المخفيّين في سوريا نكسة أخلاقية ووطنية، فالنظام ارتكب جرائم الخطف والتعذيب في سوريا ولبنان، وهناك 622 عسكرياً لبنانياً مفقوداً، وعدد غير محدّد من المدنيّين». وأكد أن «الامتناع جريمة جبانة، وهروب من المسؤولية أمام أهالي المفقودين».
وفي سياق متصل، أكد النائب إبراهيم منيمنة أن قرار الوزير بو حبيب «لا يمكن وضعه في إطار السياسة الخارجية الفاعلة المبنية على المصلحة الوطنية؛ لأنه يشكل خرقاً لمقدمة الدستور والتزامات لبنان الدولية ومن بينها اتفاقية مناهضة التعذيب، وتالياً يعد ذلك تنكراً لدور لبنان التاريخي وينقلنا إلى مصاف الدول المشجعة على التفلت من العقاب».
ورأى منيمنة أن هذا القرار «لا يراعي مصالح لبنان وتحديداً قضية المصور اللبناني المخفي في سوريا سمير كساب، وكذلك المخفيون اللبنانيون في السجون السورية، واحتمال أن تسهم هذه اللجنة في كشف مصيرهم».
وذهبت جمعية المعتقلين والمخفيين قسراً في السجون السورية إلى تصعيد إضافي، وحمّلت رئيس الحكومة ومجلس الوزراء مجتمعاً «كامل المسؤولية جراء إعلانه». وإذ دانت «هذا الموقف الشنيع بحق رفاقنا الـ622 المعتقلين قسراً» في السجون السورية، دعت الوزير بو حبيب «للاستقالة فوراً من منصبه والاعتذار أولاً من ذوي المعتقلين والمخفيين قسراً في سجون الأسد، وثانياً من كافة اللبنانيين لما يعانون من تنصيب أزلام بعض السياسيين الذين تبوأوا مناصبهم في غفلة من هذا الزمن الرديء».
نذير رضا- الشرق الأوسط