صحة

الصيام المتقطِّع… ماذا يقول الطب عن الأنواع الفضلى؟

14 آب, 2024

الالتهام الذاتي أو ما يُسمّى بالـ Autophagy هو آلية طبيعية يقوم بها الجسم بإزالة الأجزاء التالفة أو غير الوظيفية من الخلية وإعادة تدوير أجزاء أخرى نحو الإصلاح الخلوي، بهدف تنظيف الجسم من الخلايا التالفة وتجديد خلايا صحية أكثر. ويُطبَّق هذا المفهوم في السنوات الأخيرة بما يُعرف بـ”الصيام المتقطّع”، الذي يبدو أنّ فوائده الرئيسية تصبّ في مكافحة الشيخوخة ومعالجة السمنة، إلى جانب أمور أخرى.

وهناك أنواع عدة من الصيام المتقطع، منها نهج 16/8 أي تناول الطعام لمدة ثماني ساعات والصيام لمدة 16 ساعة، والنهج الآخر الذي يُعرف باسم نهج 5/2 أي تناول الطعام بانتظام خمسة أيام في الأسبوع، وبالنسبة إلى اليومين الآخرين، فيقتصران على وجبة واحدة تحتوي على 500-600 سعرة حرارية.

وتشير الدراسات إلى قدرة الصيام المتقطع على الوقاية من بعض الأمراض مثل الألزهايمر والسرطان وغيرهما. فقد خلُصت دراسة أُجريت على الفئران بعنوان ” A Periodic Diet that Mimics Fasting Promotes Multi-System Regeneration, Enhanced Cognitive Performance, and Healthspan”، أنّ اتّباع نظام غذائي يحاكي الصيام كلّ شهرين يقلّل من الإصابة بالسرطان. وكانت النتائج مماثلة في تجربة أجراها العلماء أنفسهم على 19 إنساناً، أظهرت انخفاض المؤشرات الحيوية وعوامل الخطر للإصابة بالسرطان.

وأظهرت دراسة أخرى بعنوان ” Fasting-Mimicking Diet Reduces HO-1 to Promote T Cell-Mediated Tumor Cytotoxicity”، أنّ الجمع بين الصيام والعلاج الكيميائي يبطّئ من تطوّر سرطان الثدي وسرطان الجلد. وقد تسبّبت طرق العلاج المشتركة في إنتاج الجسم مستويات أعلى من بعض الخلايا الليمفاوية الشائعة (هي خلايا الدم البيضاء التي تتجه إلى الورم والمعروفة بقتل الأورام) والخلايا الليمفاوية التي تتسلل إلى الورم. كذلك، يعزّز الجوع إنتاج الخلايا الجذعية.

أيضاً، بحسب الأبحاث، أظهرت دراسة بعنوان ” Effects of intermittent fasting on cognitive health and Alzheimer’s disease”، أنّ الصيام المتقطّع على مرّ السنين قد يؤدّي إلى عكس أو تأخير الإصابة بمرض الألزهايمر.

وأثبتت دراسة ” A time to fast”، أنّ الصيام المتقطع، وعند القيام به بشكل منتظم، يقلّل من الدهون الحشوية في البطن ويقلّل من إنتاج الجذور الحرة (الجزيئات غير المستقرة)، التي يمكن أن تسبّب تلفاً للحمض النووي والدهون والبروتينات، وترتبط بخطر الإصابة بالسرطان.

ما هو أفضل بروتوكول صيام متقطّع؟

البروفيسور إيلي غاريوس- رئيس مستشفى جبل لبنان وأستاذ الغدد الصمّاء في جامعة البلمند

راج الصيام المتقطع في السنوات الأخيرة، ولا يقتصر على كونه اتجاهاً إنّما أثبت فعاليته وبنسبة ضرر قليلة جداً. فخلال أيّ نوع صيام كان، يتوقّف الجسم عن استخدام السكّريات، ويبدأ باستخدام الدهون التي تنقسم إلى جزيئيات تُسمّى الأجسام الكيتونية، والتي تلعب دوراً بإمداد الجسم بالطاقة وإفرازها يقطع الشهية، بالتالي يمكّن الجسم من إمساك صيامه. وهذه العملية تنطلق فعلياً بعد خمس إلى ستّ ساعات من الصيام.

لم يثبَت طبياً كفاءة أيّ نهج صيام متقطع عن سواه، لكنّ الدراسات الحديثة حتّى الآن تشير إلى أنّ مدّة الصيام إذا طالت خلال اليوم إلى أكثر من 14 حتّى 16 ساعة، يصبح الشخص في دائرة الضرر.
وطريقة الصيام المتقطع المثلى بنظر غاريوس هي التوقّف عن الطعام قبل النوم والبقاء صائماً بعد الاستيقاظ وتناول القهوة صباحاً وتناول وجبته الأولى عند الـ 12 أو الواحدة ظهراً. هذه الطريقة هي الأكثر تطبيقاً وشيوعاً، ويمكن خلال فترة ما قبل الظهر تناول القهوة والشاي والمياه ومشروبات الصودا الخالية من السكّر، وبعدها تناول وجبة العشاء ليلاً قبل الثامنة مساء ومعاودة الصيام حتّى اليوم التالي. ويتخلّل هذا النظام الفاكهة وقطعة حلوى لكن ليس أكثر. ولتحقيق خسارة الوزن يجب أن يستمرّ الجسم لأيام متتالية بإدخال كمية أقلّ من حاجته.

على الإنسان أن يعرف أنّه كلّما خفّف من وزنه الزائد كان ذلك لصالح صحته، لذا، من المفيد اعتماد الصيام المتقطع مدى الحياة إذا كان نظامه الغذائيّ متنوّعاً وفيه كلّ العناصر الصحية، فهو لا يرتبط بعدد أيام محدّدة أو مواسم.
مبدئياً لا خوف من اعتماد هذا الصيام، لكن مع مراعاة عدم تجاوز الـ 18 ساعة من الصيام كحدّ أقصى، وأن تكون صحة قلب الفرد جيدة، وأن يشرب الماء بشكل كبير خلال اليوم. وعلى مريض السكّري أيضاً الانتباه خلال اعتماد هذا الصيام واستشارة الطبيب مع تناوله أدوية تخفّض نسبة السكّر.

للصيام المتقطّع فوائد أعمق من معالجة السمنة!

جويل فرحة- اختصاصيّة تغذية
الصيام المتقطِّع والحمية الغذائية التقليدية استراتيجيتان معتمَدتان لإنقاص الوزن، لكن يعتمد الصيام المتقطع على تقسيم الوقت بين فترات تناول الطعام وفترات الصيام، ويأتي على أشكال عديدة لكن النظام الأكثر اعتماداً هو الـ 16/8.

الصيام المتقطع يعزّز عملية الالتهام الذاتي، وعلى المدى البعيد، يحافظ على وزن الجسم ويحسّن من تركيبته من خلال تقليل الدهون وزيادة الكتلة العضلية، مع ممارسة الرياضة طبعاً. كما يساعد في تحسين صحة القلب ويحمي من الأمراض المزمنة مثل السكّري (نوع 2) وأمراض القلب والشرايين. ويمكن عبره إدارة الوزن وتحسين مستويات السكّر في الدم وتحسين ضغط الدم والكوليسترول.
أمّا الحمية الغذائية التقليدية فتعتمد على تقليل السعرات الحرارية اليومية بشكل منتظم مع تناول وجبات متوازنة. وقد تؤدّي بعض هذه الحميات إلى تفعيل بعض من الالتهام الذاتي والوقاية من أمراض القلب.
لكن إذا ما قارنّا النظامَين، يُعتبر الصيام المتقطع أكثر فعالية في عملية الالتهام الذاتي (فالفترات الطويلة من الصيام هي العامل الأساسي في تعزيز عملية الالتهام الذاتي)، والوقاية من أمراض القلب والأمراض المزمنة، وله فوائد صحية طويلة الأمد تفوق الحمية بسبب تأثيره العميق على عملية الجسم الداخلية مثل تحسين الصحة الأيضية.
لا يمكن اعتبار الصيام المتقطع الخيار الأمثل بين الحميات الغذائية نظراً إلى عوامل عديدة تختلف باختلاف نظام حياة الأشخاص وأهدافهم وحالاتهم الصحية. رغم ذلك، بعض العوامل تجعل من الصيام المتقطّع خياراً ممتازاً لبعض الأشخاص، منها سهولة تطبيقه كونه لا يعتمد على احتساب السعرات الحرارية أو الالتزام بتناول أطعمة معينة، إضافة إلى المرونة في أوقات تناول الطعام، كلّ حسب جدول أعماله وحياته اليومية.

وفيما من الضروري استشارة الطبيب المختصّ قبل اعتماد أيّ حمية، بما يلائم كلّ شخص، يُنصح باعتماد الصيام المتقطع لإدارة الوزن، ولمَن يعاني من السمنة بتقليل تخزين الدهون وتعزيز حرقها، لمرضى السكّري (نوع 2) عبر تقليل مستوى السكّر في الدم، إلى جانب الأفراد المعرّضين لأمراض وراثية مثل السرطان والألزهايمر. ويستفيد الرياضيون من هذا الصيام لتحسين أدائهم البدني وبناء عضلاتهم، وللأشخاص الراغبين في تعزيز تركيزهم وذاكرتهم وصحتهم النفسية، إذ يحسّن الوظائف العقلية. ويُنصح به أيضاً لمَن يعانون من مشاكل في الهضم أو اضطرابات المعدة، عن طريق منح الجهاز الهضمي فترات راحة من الطعام. لكن لا يُنصح بالصيام المتقطع لمَن لديه اضطرابات بالغذاء أو للنساء الحوامل والمرضعات، وفي بعض الحالات الصحية.

شارك الخبر: