خلطة العسل والخل… علاج واعد للجروح والحروق
استُخدم خليط العسل والخل، المعروف أيضاً باسم الأوكسيميل Oxymel، علاجاً طبياً عبر التاريخ. والآن أثبت العلماء أن هذا المزيج يمكن أن تكون له تطبيقات حديثة في علاج الجروح.
مكافحة البكتيريا المستعصية
مع ازدياد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية يبحث العلماء بفارغ الصبر عن طرق جديدة لمكافحة العدوى المستعصية، إذ قد يكون من الصعب علاج الالتهابات البكتيرية خصوصاً عندما تكون محمية داخل أغشية حيوية biofilms، وهو نظام معقَّد من البكتيريا التي يمكن أن تلتصق بإحكام على الأسطح مثل اللحم في عدوى الجروح. ومن الصعب قتل البكتيريا المحمية في الغشاء الحيوي، والعلاجات اليوم ليست فعّالة دائماً في إزالتها.
في دراسة حديثة في علم الأحياء الدقيقة نُشرت في مجلة «ساينتفك أميركان Scientific American» في 14 تشرين الأول 2023، قادتها إيرين كونيلي الباحثة متعددة التخصصات في جامعة «وارويك» في إنجلترا التي تدرس الخصائص المضادة للميكروبات، قالت إن الأطباء يستخدمون العسل وتحديداً عسل المانوكا لعلاج الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية، فقد ثبت أنه يمتلك خصائص مضادة للميكروبات ويساعد على التئام الجروح. اما حامض الأسيتيك وهو المكون النشط للخل فهو مطهر طبيعي مفيد. ويُستخدَم كل من العسل والخل بشكل منفرد لعلاج الجروح الملتهبة في الطب الحديث.
ومن الناحية التاريخية فإن العسل بكثافته العالية يسبب الضغط على البكتيريا ويحارب الالتهابات بمحتواه العالي من السكر والحموضة. وبالمثل فإن المكون النشط في الخل هو حامض الأسيتيك يكسر الحامض النووي والبروتينات في البكتيريا.
خلطة عسل وخل قوية
ووجدت الدراسة أن أياً من المركبَين لم يكن فعالاً بمفرده. وعندما قام الباحثون بتطبيق جرعات منخفضة من العسل وحامض الأسيتيك بشكل منفصل على تكوينات مزروعة من نوعين من البكتيريا في المختبر المعروفة بالأغشية الحيوية التي تتكون من مسبِّبات أمراض الجروح الشائعة Pseudomonas aeruginosa وStaphylococcus aureus، لم تتأثر البكتيريا بالجرعات المنفصلة بل عاش معظمها.
ولكن عندما جمعت هذه الجرعات المنخفضة بعضها مع بعض، أي العسل وحامض الأسيتيك، ماتت أعداد كبيرة من البكتيريا، وهو أمر مثير، كما تقول فريا هاريسون المؤلفة المشاركة في الدراسة التي تدرس الالتهابات المزمنة في جامعة «وارويك». وقد قتل الأوكسيميل بما يصل إلى ألف مرة من البكتيريا الموجودة في الأغشية الحيوية أكثر من الخل وحده، وبما يصل إلى مائة ألف مرة أكثر من العسل وحده.
ووجد الباحثون أيضاً أن بعض أنواع الخل الطبيعي لديها قدرة أكبر على قتل البكتيريا من جرعة مكافئة من حامض الأسيتيك النقيّ، وعلى وجه الخصوص يعد خل الرمان مرشحاً مثيراً للاهتمام لمزيد من الدراسة، وكان لهذه المواد نشاط قوي مضاد للجراثيم ولها نشاط عند دمجها مع العسل، مثل حامض الأسيتيك.
علاج صالح لجروح السكري
يقول الباحثون إن الأوكسيميل يمكن أن يكون ذا قيمة خصوصاً في علاج التهابات الجروح المزمنة. وهذه الآفات الجلدية طويلة الأمد شائعة لدى الأشخاص المصابين بداء السكري أو إصابات الحروق، وغالباً ما تحتوي على مستعمرات منظمة من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية بشكل كبير.
وتشير التقديرات إلى أن ما بين 1 و2% من السكان في البلدان المتقدمة سيعانون من جرح مزمن خلال حياتهم خصوصاً مع ازدياد معدل انتشار مرض السكري، وأن الجروح المزمنة عادةً ما تشكّل عبئاً كبيراً على نظام الرعاية الصحية. ولذلك يقول أندرو فاردانيان، جراح التجميل في جامعة كاليفورنيا للصحة والمتخصص في الجروح المعقدة، إن الباحثين بحاجة إلى بدائل لأن بعض العلاجات لا يعمل مع بعض المرضى، واستخدام المضادات الحيوية على المدى الطويل لعلاج العدوى العنيدة يمكن أن يجعل البكتيريا أكثر مقاومة للأدوية. وقد يكون الأوكسيميل أرخص بكثير من علاجات العدوى الموجودة بعد ذلك.
ويخطط الباحثون للتحقيق في سبب فاعلية مزيج العسل والخل بشكل أفضل من أي منهما بمفرده، وهو ما يظل لغزاً في الوقت الحالي. وإذا أثبت الأوكسيميل نجاحه في علاج البشر فإن هذا العلاج القديم غير المكلف سيكون بمثابة إضافة مهمة إلى الترسانة لمكافحة العدوى المقاومة.