برّي يحذر… لعدم “تفويت” فرصة حوار أيلول
رئاسياً، الأنظار الداخلية مشدودة الى شهر ايلول، والحوار الرئاسي المنتظر فيه. الذي تتقاطع حوله الآراء السياسية بأن يكون حواراً شاملًا، وليس حواراً ثنائياً او ثلاثياً لا يمكن ان يوصل الى أي نتيجة. وما يسترعي الانتباه في هذا السياق، هو انّ هذا الحوار محاط بهالة من التشكيك، ليس فقط في إمكان بلوغه النتائج المرجوة منه، بل في إمكان انعقاده، وذلك ربطاً، اولاً، بالمواقف الاعتراضية على انعقاده، وهو ما عبّرت عنه بعض الأطراف التي تسمّي نفسها سيادية. وثانياً، وهنا الأساس، ربطاً بالهوّة العميقة التي تفصل ما بين المعنيين بالملف الرئاسي، ويستحيل ردمها، او بلوغ مساحة مشتركة في ما بينها، وهذه الاستحالة يتفق كل المتابعين لهذا الاستحقاق على اعتبارها نعياً مسبقاً لهذا الحوار.
15 مشاركاً: فلقد حدّد الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان شهر آب الجاري، كفترة تحضيرية لحوار رئاسي يُعقد خلال النصف الأول من شهر ايلول المقبل، على ان يحضر لودريان في بدايته إلى بيروت في زيارة ثالثة، لإجراء مشاورات سريعة مع الأطراف السياسية قبل توجيه الدعوات الرسمية، بحسب معلومات موثوقة، إلى 15 ممثلاً عن الكتل النيابية، للمشاركة في هذا الحوار، الذي يرجح انّه سيُعقد برعاية لودريان شخصياً في مقرّ السفارة الفرنسية في قصر الصنوبر، ولمدّة أقصاها يومان او ثلاثة ايام على أبعد تقدير.
لودريان قال صراحة في زيارته الاخيرة إنّه آتٍ باسم دول الخماسية، لإشاعة مناخ حواري في لبنان، يفضي الى خرق نوعي في الجدار الرئاسي، تعبر من خلاله الاطراف السياسية المتنازعة على الحلبة الرئاسية، إلى توافق على انتخاب رئيس للجمهورية إن أمكن خلال شهر أيلول. ولودريان نفسه لم يجازف بإبداء التفاؤل، بل أنّه اقرّ بصعوبة مهمّته، مؤكّداً انّ نجاحها مرهون بالتفاعل الإيجابي معها من قِبل الاطراف السياسية، ومغادرتها منصّات الشروط المانعة لانتخاب رئيس منذ ما يزيد عن عشرة اشهر، ونزولها إلى حلبة العقلانية والتنازلات المتبادلة لمصلحة لبنان.
الخماسية: لا رأي موحّداً! هذه الصعوبة التي تعتري مهمّة لودريان، معطوفة على ثبات اطراف الصراع الرئاسي على مواقفها، وتمسمرها خلف شروطها المتصادمة، لا يبدو في الأفق ما يبدّدها، او يحوّلها الى مدار التسهيل، فضلاً عن التصلّب الذي يحكم مواقف بعض الأطراف، التي تجافي الحوار وترفض المشاركة فيه، على غرار ما ذهب اليه بعض من يصنّفون أنفسهم سياديين. وعلى ما تقول مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ”الجمهورية”، فإنّ هذه الصعوبة التي تواجه مهمّة لودريان في تحقيق الخرق الرئاسي المرجو منها، ليست من القوة التي تستطيع من خلالها ان تصمد امام خمس دول ترغب بحل رئاسي في لبنان، بل هي انعكاس واضح لتباين النظرة الخارجية إلى الملف الرئاسي، وتحديداً بين “الدول الخمس” المعنية مباشرة بهذا الملف. ولو كانت الخماسية على موقف واحد وقلب واحد، فهل كان أحد في الداخل، وتحديداً من حلفاء تلك الدول، ان يتجرّأ على رفض المشاركة في الحوار”؟
وأوضحت المصادر “انّ الصورة الخارجية من الملف الرئاسي على حالها، ولم تتبدّل، فالفرنسيون وحدهم المستعجلون على إحداث خرق يعجّل بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة، والاميركيون وإن كانوا مشاركين في الخماسية الّا انّهم في حقيقة موقفهم يتفرجون، وأما الآخرون، فيتوزعون بين رافض للتدخّل وبأن يكون عاملاً مساعداً وحاسماً في الملف الرئاسي، وبين مروّجين لمرشح معيّن غير رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، والوزير جهاد ازعور الذي ما زال موجوداً وإن بحضور اقل على خط التقاطعات”.
بري يحذّر: وتبعاً لذلك، تتقاطع القراءات السياسية على اعتبار انّ احتمالات إحداث خرق في الحوار، إن انعقد، قليلة او ضعيفة جداً. وهو ما حذّر منه الرئيس بري بقوله لـ”الجمهورية” بأنّ “حوار ايلول فرصة لبلوغ اتفاق ينهي الأزمة الرئاسية، ينبغي استثمارها ولا يجوز تفويتها، فإن توافقنا فرئيس الجمهورية سيُنتخب حتماً، وينتقل لبنان من واقع مهترئ ويسلك سبل الانتعاش، وإن لم نتوافق فسندخل في دهليز مظلم ويدفع لبنان اثماناً اضافية باهظة”.
ولفت بري إلى “أننا لو كنا سلكنا طريق الحوار من البداية لكانت الأزمة الرئاسية خلفنا وتجاوزناها منذ اشهر، ووفّرنا على هذا البلد ما سقط فيه من تعقيدات ومطبات وأزمات ارهقت اللبنانيين. فقد سبق لي ان ناديت مرات ومرات بتجنّب الفراغ في رئاسة الجمهورية، ودعوت إلى الحوار بصفاء نيات باعتباره السبيل الوحيد الذي يحقق الغاية المرجوة، قلنا لهم تعالوا الى الحوار، وجربونا إن كنا جدّيين ام لا، لكنهم تهرّبوا من هذا الحوار، ونتيجة ذلك كان الإنحدار الى الوضع الذي نحن فيه. وقد قلت بكل صراحة في خطاب 31 آب من العام الماضي في ذكرى تغييب الامام الصدر، اي قبل نحو شهرين من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، إننا نشجع وندعم أي لقاء يمكن أن يفضي الى توافق وطني عام حول الإستحقاق الرئاسي، واكّدت آنذاك وأعود وأؤكّد اليوم انّ الاستحقاق الرئاسي هو استحقاق دستوري سيادي وطني بامتياز، فلنجعله مناسبة نقدّم فيه مصلحة لبنان على أية مصالح أخرى”.
“لا تفوّتوا الفرصة”: والبارز في هذا السياق، ما نقلته مصادر اقتصادية عن سفير دولة كبرى، حيث اكّد انّ حوار ايلول يعدّ آخر فرص النجاة للبنان، وقال ما حرفيته: “الفرصة هي اليوم في أيدي القادة السياسيين في لبنان، لكي ينتقلوا من مرحلة تضييع الوقت وتفويت الفرص إلى صياغة توافق على انتخاب رئيس للجمهورية، والاّ فإنّ ما اخشاه هو انّ الوقت قد يغلب لبنان، ويدفع به الى منزلقات شديدة الخطورة وانهيار على كل المستويات، لا يعود في امكانه جراءها صياغة اي حل لا في المدى القريب ولا في المدى البعيد، وحتى انّه قد لا يجد من يشاركه من الخارج، في البحث عن مخارج وحلول”.
الجمهورية