صحة

دراسة تشير إلى الأوكسيتوسين علاجاً محتملاً للسمنة واكتئاب ما بعد الولادة

6 تموز, 2024

بيّنت دراسة جديدة جيناً معيناً ووصفته كعامل حاسم وفعّال في تطور السمنة والمشاكل السلوكية واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات، كما حدد العلماء هذا الجين الذي يعرف باسم TRPC5 والذي في حالة فقدانه أو خلله يمكن أن يسبب تلك الأحداث، وقد يكون لهذا الاكتشاف آثار أوسع نطاقاً على علاج اكتئاب ما بعد الولادة؛ إذ تعدّ السمنة واكتئاب ما بعد الولادة من المشاكل الصحية العالمية المهمة؛ فاكتئاب ما بعد الولادة يطال أكثر من واحدة من كل 10 نساء خلال عام من الولادة، كما يرتبط بزيادة خطر الانتحار، ويمثل أيضاً ما يصل إلى واحدة من كل خمس وفيات الأمهات في البلدان ذات الدخل المرتفع، وفي الوقت عينه تضاعفت معدلات السمنة بين البالغين منذ عام 1990، كما تضاعفت أربعة أضعاف بين المراهقين بحسب منظمة الصحة العالمية.

في تفاصيل الدراسة التي أجراها فريق دولي يضم باحثين من جامعة كامبريدج في المملكة المتحدة، وكلية بايلور للطب في هيوستن في الولايات المتحدة، والتي نُشرت في مجلة «سيلCell » في 2 تموز يوليو الحالي 2024 سلّطت الدراسة الضوء على النتائج المهمة التي يمكن أن تؤثر على العلاجات المستقبلية لاكتئاب ما بعد الولادة.

إذ أن العلماء اكتشفوا أثناء التحقيق مع صبيين من عائلتين مختلفتين يعانيان من السمنة المفرطة والقلق والتوحد ومشاكل سلوكية ناجمة عن الأصوات أو الروائح، إن الأولاد يفتقدون جيناً واحداً يُعرف باسم TRPC5 والذي يقع على الكروموسوم X وكما قال العلماء أن كلا الصبيين ورث افتقاد الجين من كلتا الوالدتين اللتين فقدتا الجين الموجود على أحد كروموسوماتهما X وكانت الوالدتان تعانيان أيضاً من السمنة، لكن بالإضافة إلى ذلك تعانيان من اكتئاب ما بعد الولادة.

وعلى الصعيد التطبيقي، أي لاختبار ما إذا كان جين TRPC5 هو الذي يسبب المشاكل لدى الأولاد وأمهاتهم، لجأ الباحثون إلى نماذج حيوانية، إذ قاموا بهندسة فئران وراثية تحتوي على نسخة معيوبة من الجين في الفئران، وقد استخدموا الفئران المعدلة وراثياً لتأكيد تأثيرات الجين، وأظهرت الفئران الذكور التي تحمل هذا الجين المعيوب نفس المشاكل التي يعاني منها الأولاد، من ضمنها زيادة الوزن والقلق وكراهية التفاعلات الاجتماعية والسلوك العدواني، كما أظهرت إناث الفئران نفس السلوكيات لكن عندما أصبحت أمهات أظهرت أيضاً سلوكاً اكتئابياً وضعف رعاية الأمومة.

نفيد بالذكر انّ هذا الجين RPC5 هو واحد من عائلة الجينات التي تشارك في اكتشاف الإشارات الحسية مثل الحرارة والذوق واللمس وهو يقع في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، ومن المعروف أنه يتحكم في الشهية. وعندما نظر الباحثون بمزيد من التفصيل في منطقة الدماغ هذه يكتشفون أن الجين يعمل على الخلايا العصبية للأوكسيتوسين وهي الخلايا العصبية التي تنتج هرمون الأوكسيتوسين والذي يُطلق عليه غالباً «هرمون الحب»؛ بسبب إطلاقه استجابةً لعروض المودة والعاطفة والترابط، وقد أدت استعادة الجين الموجود في هذه الخلايا العصبية إلى تقليل وزن الجسم، وتقليل أعراض القلق واكتئاب ما بعد الولادة أيضاً.

من جهته، قال البروفسور صدف فاروقي، من مختبرات أبحاث الأيض في جامعة كامبريدج معهد علوم الأيض والمعهد الوطني للصحة مركز كامبريدج لأبحاث الطب الحيوي كامبريدج المملكة المتحدة والمؤلف الرئيسي للدراسة، إن هناك سبباً وراء إصابة الأشخاص الذين يفتقرون إلى جين TRPC5 بكل هذه الحالات؛ ووضّح فاروقي أن TRPC5 عرف منذ فترة طويلة أنه في منطقة ما تحت المهاد ويلعب دوراً رئيسياً في تنظيم «السلوكيات الغريزية» التي تمكن البشر والحيوانات من البقاء على قيد الحياة، مثل البحث عن الطعام والتفاعل الاجتماعي والاستجابة للقتال ورعاية أطفالهم الرضع، وفي حين أن عمليات حذف الجين نادرة فقد كشف تحليل عينات الحامض النووي (دي أن ايه) DNA المأخوذة من نحو 500 ألف فرد في البنك الحيوي في المملكة المتحدة، عن أن 369 شخصاً، ثلاثة أرباعهم من النساء، يحملون متغيرات الجين، وكانت كتلة الجسم أعلى من المتوسط.

والجدير ذكره أن هرمون الأوكسيتوسين يُفرز في منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، ويشارك في عمليات فسيولوجية مختلفة، وتتمثل الوظيفة المعروفة لهذا الهرمون في تقوية الروابط الاجتماعية والتسبب في انقباض عضلات الرحم في أثناء المخاض، ومع ذلك أظهرت الأبحاث الحديثة أيضاً أن للأوكسيتوسين العديد من الوظائف الأخرى، ويلعب هرمون الأوكسيتوسين دوراً في التفاعلات الاجتماعية وتقوية الروابط الاجتماعية، وزيادة مشاعر الترابط العاطفي، وتعزيز التعاطف. كما أن له تأثيراً يقلل من التوتر، ويمكن أن يقلل من القلق من خلال إحداث تأثير مريح.

والأهمّ أن الدراسة تشير إلى أن استعادة الأوكسيتوسين يمكن أن تخفف الأعراض المرتبطة بنقص الجين TRPC5 بما في ذلك اكتئاب ما بعد الولادة، ويدعم ذلك تجارب سابقة حول دور الأوكسيتوسين في الاكتئاب ورعاية الأمومة. كما تشير النتائج إلى أن الأوكسيتوسين يمكن أن يكون علاجاً فعالاً للأمهات المصابات باكتئاب ما بعد الولادة المرتبط بنقص الجين، ويسلط البحث أيضاً الضوء على الأساس البيولوجي لسلوكيات؛ مثل الأكل والقلق ورعاية الأمومة، مع تأكيد أهمية فهم التأثيرات الجينية على هذه الحالات.

باختصار، يُظهر البحث الجديد الذي أجراه فريق من الباحثين في جامعة كامبريدج وكلية بايلور للطب أن الجين TRPC5 يلعب دوراً حاسماً في تطور السمنة، والمشاكل السلوكية، واكتئاب ما بعد الولادة لدى الأمهات. وتوصل العلماء إلى أن فقدان أو خلل هذا الجين قد يؤدي إلى هذه الظواهر، مما يشير إلى أن الفهم الأعمق لدور هذا الجين قد يساعد في تطوير علاجات جديدة لمثل هذه الحالات المعقدة.

المصدر: Info3

شارك الخبر: