حبّة “المورفين” الأوروبيّة… توحّد الغضب على ميقاتي
قامت القيامة على المليار دولار التي قدّمها الاتّحاد الأوروبي ولم تقعد بعد. يرفض رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تصنيفها “رشوة” لأنّها مُخصّصة، وفق تأكيداته، حصراً للبنان واللبنانيين في مقابل تغيّر نوعي، برأيه، في مقاربة الأوروبيين لإشكالية النزوح على قاعدة انتقالهم من منطق “خذوا المال وأبقوا السوريين على أرضكم” إلى “طبّقوا قوانين بلادكم على السوريين“.
عندما يعترف ميقاتي..
في المقابلة التلفزيونية الأخيرة التي أجراها ميقاتي سئل هل ندم على عدم اتّخاذ القرارات الصائبة، سيّما أنّ حكومته عام 2011 أشرفت مباشرة ومن دون أيّ ضوابط أو رادع على بدء تدفّق النازحين السوريين إلى لبنان، فقال: “رفضت ولا أزال تكرار تجربة المخيّمات الفلسطينية، لكن يمكن كان لازم يومها إقامة مخيّمات في المناطق المشتركة بين لبنان سوريا. لم أفعل ذلك لأنّه بوقتها التدفّق كان كبيراً وسبقنا الوقت، وإنسانياً ما كان فيي ما أحميهم”.
اعتراف ميقاتي العلني، للمرّة الأولى، بعدم لجوء حكومته إلى الخيار الصائب آنذاك، كلّف فعليّاً لبنان بعد نحو 13 عاماً من أزمة النزوح بلوغ عدد السوريين في لبنان نحو نصف عدد سكّانه من اللبنانيين، وخسائر اقتصادية بعشرات مليارات الدولارات، والقضاء الكامل على بنيته التحتية المهترئة أصلاً، وارتفاعاً كبيراً في عدد جرائم القتل والسرقة، وشعور اللبناني بأنّه لاجئ في بلده.
يتّكئ ميقاتي في “مطالعته” أمام مؤتمر بروكسل في 27 أيار الجاري على التقرير الثاني الذي أصدره البنك الدولي منذ عام 2011 وقدّر من خلاله كلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني بعشرات مليارات الدولارات بمعدّل مليار و700 مليون دولار سنوياً.
بيده الثانية يحمل ميقاتي ما يقول إنّه “تفهّم أوروبي” حيال الوضع المأساوي لواقع النزوح و”سماح” أوروبا للبنان أخيراً بتطبيق قوانينه في ما يتعلّق باللجوء غير الشرعي على قاعدة إمّا “قوننة الإقامة أو الترحيل”، إضافة إلى الخطّة التي سيعتمدها لبنان للتخفيف من كارثة النزوح باعتماد التصنيف يميّز بين مسجّل لدى UNHCR بعلم الحكومة اللبنانية ومسجّل من دون علمها (ستتمّ دراسة كلّ حالة على حدة بعد الاطّلاع على اللائحة)، وبين مقيم مع إقامة ومقيم من دونها، بحيث سيتمّ ترحيل كلّ نازح غير شرعي.
ميقاتي يتوقع الفشل
صرخة ميقاتي، باعترافه، قد لا تؤدّي إلى مكان، فهو يقرّ بوجود قرار سياسي دولي بعدم الإعلان حتى الآن عن المناطق التي باتت آمنة في سوريا، وبالتشدّد الذي لا يزال يطبع مواقف دول أوروبية حيال الضغط لإبقاء السوريين على الأراضي اللبنانية. فيما لا يزال، برأيه، غير ضروري ذهابه شخصياً إلى سوريا للقاء الرئيس بشار الأسد، وأنّه يكفي أن يتواصل هاتفياً مع نظيره السوري، علاوة على زيارة محتملة للمدير العام للأمن العام اللواء الياس البيسري ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب “إذا اقتضى الأمر”.
بدءاً من حزيران 2024 سيبدأ الاتحاد الأوروبي بضخّ 500 مليون يورو حتى عام 2026 من أصل حزمة بقيمة 1.07 مليار يورو تكون على عدّة دفعات وتنتهي جدولتها عام 2027، وتشمل القطاعات الصحّية والتربوية والحماية الاجتماعية والعائلات الأكثر فقراً، إضافة إلى مساعدات للجيش والقوى الأمنيّة.
تؤكّد أوساط مطّلعة أنّ الجزء الأكبر من المساعدة الأوروبية هو من أصل مبلغ بقيمة 830 مليون يورو تمّ رصده سابقاً ولم يستفد لبنان منه، بل حصل فقط على كاش بقيمة 170 مليون يورو. ومن جهته، أصرّ ميقاتي على أنّها ممنوحة فقط للبنان مع طلب من دول أوروبا منح السوريين من الآن وصاعداً رزماً مالية لحثّهم على المغادرة وليس البقاء، لكنّ مصادر مواكبة لملفّ النزوح تجزم أنّ السياسة الأوروبية لا تزال “صامدة” في مكانها: تثبيت السوريين حيث هم، والحدّ من تدفّقهم إلى دول الجوار الأوروبي مهما كانت الكلفة عالية.
يترافق الإغراق الأوروبي المالي بدعوة متكرّرة للبنان غير مستجابة إلى إقرار اتفاق فوري مع صندوق النقد الدولي يسهّل تسييل المزيد من المساعدات المقوننة وفق ساعة IMF وشروطه، خصوصاً بعدما منح “صندوق النقد” لبنان مهلة إضافية لأخذ قراره وإعداد الإصلاحات الهيكلية التي تمهّد للاتفاق النهائي.
الأرجح أنّ هذا الواقع سيلعب لمصلحة الدول الأوروبية التي وجدت نفسها أمام دولة “تنقّ” على النزوح بعد 13 عاماً من تنفيذها، عن دراية أو تقصير أو جهل، لأكبر مخطّط دولي عرفه تاريخ الدول حديثاً لجهة نقل “شعب من دولة إلى أخرى”.
لكنّ ميقاتي المستفيق بعد عقد من الزمن على كارثة النزوح لم يتسنَّ له الاستثمار في الزيارة الثنائية للرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليس ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فوديرلاين ولا في مؤتمر بروكسل، إذ إنّ إعلانه العرض الأوروبي بفتح المجال للّبنانيين للهجرة الموسمية إلى أوروبا استناداً إلى القانون المبرم، الذي أقرّه الاتحاد الأوروبي ويشمل الدول المستضيفة للنازحين السوريين، فتح عليه باب الهجوم السياسي من جانب كلّ القوى السياسية.
حبّة المورفين الأوروبية الممنوحة لكلّ من لبنان والأردن وتركيا ومصر وتونس عبر إغراء المليار تشجيع عدم هجرة أبناء هذه الدول موسمياً إلى أوروبا استدعت ردود فعل قاسية بحقّ ميقاتي فبدا محاصراً بالكامل. (بانتظار المؤتمر الصحافي لباسيل بخصوص النزوح).
أمس فنّد النائب جبران “خطيئة” الحكومة قائلاً: “ركضوا علينا الاوروبيين من أجل مئات من النازحين الذين قصدوا قبرص. هل تتخيّلون ماذا سيفعل الاتحاد الاوروبي لو أفلتم كم الف سوري (على الحدود). هالقد بتطلعوا رخاص وبتقبلوا بمليار يورو؟ بدل ما تسكروا البحر إفتحوه وشوفو كيف الاوروبيين بيدفعوا المليارات للعودة وليس لإبقاء السوريين”، معيباً على الحكومة والمسؤولين “الشكر الدائم للسياسات الخارجية والانصياع الكامل لها وتنفيذها على حساب المصلحة اللبنانية”.
الأهم سأل باسيل الحكومة: “كيف تتوزع المليار يورو وما هي حصة الدعم لتأمين العودة؟ وهل صحيح أنّ الاتفاق يتضمّن استرجاع نازحين من قبرص؟ وما حدا يقول مش معقول لأن قائد الجيش بقرار مستقل أعاد 107 نازح من قبرص من دون قرار حكومي؟ وهل يتضمّن الاتفاق السوريين والفلسطينيين الذين أتوا من سوريا أو فلسطين مباشرة إلى قبرص؟
من جهته، ردّ المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة على ما وصفه بــ “المحاولة الخبيثة لإفشال أي حلّ حكومي “، مؤكداً أنّ الحكومة اتّخذت القرار منذ فترة طويلة بوضع ملف النازحين السوريين على سكة المعالجة الجذرية، فاتّخذت سلسلة من القرارات العملية وبوشر تطبيقها بعيداً عن الصخب الاعلامي، بالتوازي مع حركة ديبلوماسية وسياسية مكثّفة لشرح أبعاد الملف وخطورته على لبنان”.
كما أشار البيان إلى أن “الكلام عن رشوة اوروبية للبنان لإبقاء النازحين على أرضه غير صحيح ومجرد كلام فارغ واتّهامات سياسية غير صحيحة”.
ملاك عقيل- أساس