لدحض ما تصفه بـ”الاتهام السخيف”.. إسرائيل تمثل أمام محكمة العدل الدولية
الحرة / وكالات – واشنطن
بعد أن أثار احتجاجات واسعة وانقساما بالشارع الإسرائيلي، ألغت المحكمة العليا في إسرائيل، الاثنين، بندا يقلّص من صلاحياتها ضمن مشروع التعديلات القضائية المدعوم من الحكومة والذي أقره البرلمان، في يوليو الماضي.
ويعدّ “بند المعقولية” جزءا من إصلاحات قضائية أوسع اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، وائتلافه الحكومي، الذي يضم أحزابا يمينية ودينية متشددة، وينص على حرمان السلطة القضائية من الحق في الحكم على “معقولية” قرارات الحكومة أو الكنيست.
وأحدث مشروع الإصلاح القضائي، منذ أن أعلنت الحكومة عن تفاصيله مطلع يناير الماضي، انقسامات كبيرة داخل إسرائيل، وخرج ضده عشرات الآلاف في مظاهرات واسعة، انطفأت جذوتها، بعد هجوم السابع من أكتوبر واندلاع الحرب ضد حركة حماس.
وتباينت قراءات محللين إسرائيليين بشأن تبعات القرار الصادر عن المحكمة العليا، بين من رأى أن تأثيراته ستلاحق الائتلاف الحكومي، ومن قلل من أهميته في ظل تزامنه مع المعارك المستعرة، وانشغال الرأي العام بتطورات الحرب في غزة.
ترحيب بـ”قرار استثنائي”
وجاء في قرار المحكمة العليا، إن الحكومة بإقرارها تعديل القانون الأساسي “أبطلت تماما إمكان إجراء مراجعة قضائية لمدى معقولية القرارات التي تتخذها ورئيس الوزراء والوزراء”.
وأضاف القرار: “خلصت المحكمة إلى أن التعديل يسبب ضررا شديدا وغير مسبوق لجوهر خصائص إسرائيل كدولة ديمقراطية”.
وأشاد يائير لابيد، رئيس المعارضة، بقرار المحكمة، إذ قال، إن قرارها “يختتم عاما صعبا من نزاع مزقنا من الداخل وأدى إلى أسوأ كارثة في تاريخنا”، في إشارة إلى هجوم السابع من أكتوبر، حيث تتهم المعارضة الحكومة بأن الانقسامات الداخلية الناجمة عن التعديل القضائي، ربما كانت من العوامل التي ساعدت حماس في اتخاذ قرارها بالهجوم.
وقال لابيد، على منصة “إكس” إن “المحكمة العليا أدت بأمانة دورها المتمثّل بحماية مواطني إسرائيل ومنحناها دعمنا الكامل”.
كما دعا بيني غانتس، العضو في حكومة طوارئ الحرب، إلى الوحدة “من أجل الانتصار في الحرب معا”.
المحلل السياسي الإسرائيلي، آفي ميلاميد، يقول إن القرار “استثنائي ومهم جدا”، ويأتي بعد أن عاش المجتمع الإسرائيلي، طيلة العام الماضي، على وقع خلافات وانقسامات مؤلمة بشأن “هذا الموضوع.
ويضيف ميلاميد، في تصريح لموقع “الحرة”، أن الخطوة تسد الطريق أمام الائتلاف الحالي الذي كان يسعى لتغيير القانون بشكل جذري على الرغم من المعارضة الواسعة من الإسرائيليين، مضيفا أن “الائتلاف الراهن يبقى محط انتقادات واسعة”.
ويوضح المحلل الإسرائيلي، أن القرار الجديد يبعث “الراحة في نفوس الرأي العام الإسرائيلي الذي كان رافضا منذ البداية لهذه التعديلات”، مشيرا إلى أن “الغالبية ترحب بإلغاء التعديلات التي لم تحظ بأي دعم شعبي منذ صدورها”.
ويتوقع أن يكون للقرار “تداعيات سياسية” على مستوى الائتلاف الحكومي، غير أنه يوضح “لا أعلم إن كان سيؤدي إلى انهيار الحكومة أو تفككها”، لكنه يضيف أنه “ستكون له تأثيرات.. سواء على المدى المتوسط أو البعيد”.
ضربة قاصمة لحكومة نتانياهو.. المحكمة العليا تبطل قانون “الإصلاح القضائي”
ألغت المحكمة العليا في إسرائيل الاثنين القانون المثير للجدل الذي أقرته الحكومة اليمينية برئاسة بنيامين نتانياهو، والذي قلص بعض صلاحيات المحكمة العليا وأثار احتجاجات في جميع أنحاء البلاد.
انتقادات لتوقيت القرار
وانتقد حزب الليكود، الخطوة، قائلا في بيان “من المؤسف أن المحكمة العليا اختارت إصدار حكمها في قلب الجدل الاجتماعي في إسرائيل على وجه التحديد في الوقت الذي يقاتل فيه جنود جيش الدفاع الإسرائيلي من اليمين واليسار ويخاطرون بحياتهم في الحملة العسكرية” على غزة.
وقال بيان الليكود “قرار المحكمة يتعارض مع إرادة الشعب من أجل الوحدة، خاصة في زمن الحرب”، لم يناقش الحزب أي خطوات محتملة قد يتخذها في بيانه المقتضب.
في السياق ذاته، انتقد مردخاي كيدار، المحلل السياسي والأستاذ بجامعة بار إيلان بمدينة رمات غان، توقيت صدور الحكم، معتبرا أن “الكل في إسرائيل منشغل بالحرب، ولا أحد يهتم بهذا القرار الذي جاء ضد إرادة الشعب”.
ويوضح مردخاي في حديثه لموقع “الحرة”، أن المعارضة تُبارك القرار، وداعمو الائتلاف الحكومي مستاؤون منه، غير أنه يشير إلى أن “المجتمع الإسرائيلي بأسره لا ينظر بعين الرضا إلى صدوره في هذا الوقت الحيوي والحساس” (في إشارة إلى الحرب ضد حماس في غزة).
ويتابع كيدار، أن “الغالبية العظمى من الشعب الإسرائيلي تركوا كل الخلافات التي كانوا ينشغلون بها وراءهم للتركيز على الحرب”، معتبرا أن “قلة قليلة فقط تحاول اليوم إثارة الخلافات بالمجتمع الإسرائيلي، لكن ليس لهم أي صدى في إسرائيل”.
وسعى الائتلاف الحاكم إلى الحد من صلاحيات المحكمة العليا من خلال إصلاحات قال إنها “ضرورية لضمان توازن أفضل للسلطات”، إذ يرى رئيس الوزراء وحلفاؤه أن قضاة المحكمة العليا “مسيّسون ويتمتعون بسلطة أعلى من تلك التي يتمتّع بها النواب المنتخبون”.
وفي المقابل، يقول معارضو التعديلات إن تحالف نتانياهو اليميني “يهدد” الديمقراطية الإسرائيلية ويهدف لـ”إضعاف” القضاء الإسرائيلي.
احتجاجات شعبية واسعة في إسرائيل ضد مشروع التعديلات القضائية – صورة أرشيفية
احتجاجات شعبية واسعة في إسرائيل ضد مشروع التعديلات القضائية – صورة أرشيفية
وأدت الإصلاحات التي تبناها البرلمان الإسرائيلي، في شهر يوليوز، إلى حركة احتجاجية، كانت الأكبر في تاريخ إسرائيل، حيث خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين، طيلة الأشهر الأولى من العام الماضي، إلى الشوارع لرفض الخطوة، وقابلتها مظاهرات مؤيدة للحكومة أقل تواترا وزخما.
وفي تعليقه على تداعيات القرار بالشارع الإسرائيلي، يقول مئير مصري، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية في أورشليم القدس وعضو اللجنة المركزية لحزب العمل، إن الرأي العام الإسرائيلي لا يزال منقسماً بشأن هذه الخطوة، وإن كان حسم المحكمة العليا يتعلق بمشروع واحد من مجمل أحد عشر مشروع قانون تسعى الحكومة إلى تمريرها.
ويعتقد مصري في تصريح لموقع الحرة، أنه لا يتوقع أن تكون للقرار الأخير تأثيرات على الائتلاف الحكومي، مؤكدا على أن الحرب في قطاع غزة اليوم تتصدر المشهد بشكل كامل.
غير أنه يشير إلى أن شعبية نتانياهو وحزبه “في تراجع غير مسبوق”، مشيرا إلى ما وصفه بـ” الإخفاق الأمني الأسطوري” في السابع من أكتوبر.
ويشدد مصري على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه مشاكلا أعمق من القرار الأخير، بعد أن “فقد قاعدة دعم كبيرة”، وأصبح “غير مؤهل اليوم لخوض أي معركة سياسية”.
“اختبار للائتلاف”
وأشار تقرير لرويترز، إلى أن قرار المحكمة، “يختبر” تماسك حكومة الطوارئ التي تشكلت لإدارة الحرب ضد حماس.
وتضم الحكومة الحالية مؤيدين متشددين للتعديل القضائي مثل مهندسه، وزير العدل، ياريف ليفين، وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ورافضين له مثل بيني غانتس المنتمي لتيار الوسط، ووزير الدفاع، يوآف غالانت.
وفي رد فعله على الخطوة، اتهم ليفين المحكمة العليا بـ”الاستيلاء على جميع السلطات”، حسبما نقلته فرانس برس.
وقال ليفين، على حسابه على تطبيق تيلغرام إنه بإصدار الحكم “يستولي القضاة على جميع السلطات التي يتم تقسيمها في النظام الديمقراطي بطريقة متوازنة بين السلطات الثلاث”.
وتابع “إنه يحرم ملايين المواطنين من أصواتهم وحقهم الأساسي في أن يكونوا شركاء على قدم المساواة في صنع القرار”.
في هذا السياق، يستبعد الكاتب والباحث السياسي، إلحنان ميلر، أن تكون للقرار أي تأثيرات على الائتلاف الحاكم، مشيرا إلى أن “تزامن هذا القرار التاريخي مع أجواء الحرب التي تعيشها البلاد، يحدّ من تبعاته”.
ويضيف ميلر في تصريح لموقع “الحرة”، أنه لو صدر القرار في أي توقيت آخر غير زمن الحرب، “كانت لتكون له تداعيات قوية، سواء بين الجمهور الإسرائيلي، أو على مستوى تعزيز جدة التجاذبات السياسية بين الحكومة والمعارضة”.
غير أنه يشير إلى أن الجميع منشغل بالقرار، وحتى نتانياهو وحلفاؤه “مرّوا مرور الكرام على القرار في ظل ظروف الحرب الراهنة”، ولن يعمدوا إلى أي خطوات تصعيدية، من قبيل إجراء تعديلات جديدة تخص هذا البند أو خطوات أخرى لتقييد صلاحيات المحكمة العليا.
وتخوض إسرائيل حربا على غزة، اندلعت رد على هجوم نفذه مسلحون تابعون لحركة حماس في 7 أكتوبر أودى بحياة نحو 1140 شخصا معظمهم مدنيون، وبينهم نساء وأطفال، وفق حصيلة لوكالة فرانس برس تستند على بيانات رسميّة.
وردا على ذلك، تعهدت إسرائيل “القضاء” على الحركة، المصنفة إرهابيا، وأسفر القصف الإسرائيلي على قطاع غزّة والذي يترافق منذ 27 أكتوبر مع عمليات برية، عن مقتل 22185 شخصا على الأقلّ منذ يوم الهجوم، معظمهم نساء وأطفال، وفق وزارة الصحة التابعة لحماس، حتى مساء الاثنين.