“بيوت الضيافة”.. ورقة رابحة تنعش السياحة الداخلية
تغيرت الاتجاهات في السياحة عالمياً بعد انتشار جائحة كورونا، وبات الملاذ إلى المناطق الجبلية والريفية والمساحات المفتوحة هو الوجهة الأساسية. ومع ندرة الفنادق، أو بالأحرى غيابها في هذه المناطق، راجت فكرة بيوت الضيافة في لبنان محرّكة المناطق النائية المتواجدة فيها اقتصادياً، وأثّرت بشكل أو بآخر على الفنادق.
وسط هذه الزحمة، ارتأت وزارة السياحة تنظيم قطاع بيوت الضيافة، بسبب الطفرة التي شهدتها هذه المؤسسات السياحية، سواء لناحية ازدياد عددها بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين، أو لناحية زيادة الطلب على ارتيادها. بالتالي، وجب تشريعها وتنظيمها لتصبح مؤسسات تتبع رسمياً لوزارة السياحة.
تفيد مصادر وزارة السياحة لـ”النهار” أنّه كان لا بد من وضع شخصية معنوية لأصحاب بيوت الضيافة وجمعهم ضمن نقابة واحدة بهدف التطوير والتمثيل أمام القطاعات العامة والخاصة والجمعيات حتى يساهموا بتطوير هذا القطاع. فبيوت الضيافة تنشّط الاقتصاد وتفتح فرص عمل وتضمن استمرارية القطاعات الإنتاجية، حتى إنّ السياحة الداخلية تشتدّ.
لذلك، نظّمت الوزارة قطاع بيوت الضيافة التي باتت إحدى مؤسسات الإقامة التي ترخَّص من وزارة السياحة. واعتزمت تأسيس نقابة لأصحاب بيوت الضيافة، منذ حوالي خمسه أشهر. وللنقابة الآن مجلس تنفيذي في طريقه لانتخاب رئيس وأعضاء النقابة.
وفي حين تضمّ الهيئة العامة لبيوت الضيافة حتى الآن، حوالي 200 عضو (مؤسسة) على كامل الأراضي اللبنانية، مرخَّصة من وزارة السياحة، يُبرز الواقع ما بين 800 و1000 مؤسسة بالحدّ الأدنى.
حتى الآن، لا معايير لتصنيف هذه البيوت. لكن ستُفرز وفق شرائح A، B، C، كما هي الحال بالنسبة إلى الفنادق، بحسب موقع البيت أو ماذا يقدّم وأسعار خدماته. وتعاونت الوزارة مع شركة أجنبية مُعترف بها عالمياً لتطبيق هذا التصنيف عبر تقييم هذه البيوت، وبالتالي يُصبح أسهل على الفرد اختيار البيت الذي يلائمه من جوانب عديدة.
وعن شروط الانضمام إلى النقابة، تفيد المصادر وجوب الاستحصال على موافقة المرحلة الأولى أو إجازة الاستثمار، إلى جانب سجل عدلي يبيّن أن صاحب البيت غير محكوم عليه بجناية أو محاولة جناية.
وستكون الرقابة على هذا القطاع مثل رقابة أي مؤسسات أخرى عن طريق المصالح الرقابية المختصة والسلطات الرقابية في وزارة السياحة (مصلحة الضابطة). وعن البيوت غير المخوَّلة لأن تكون بيوت ضيافة أو التي لم تندرج بعد رسمياً تحت لواء الوزارة، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة، سبق أن سعت الوزارة إلى الاستحصال على معلومات لبيوت الضيافة في كافة المناطق اللبنانية من أجل وضع ركن أساس لعدد وانتشار هذه البيوت، وتشجيعها على التقديم على ترخيص من خلال استمارة جرى توزيعها. واليوم تحثّ الوزارة هذه البيوت على إجراء التراخيص المطلوبة من خلال نشر الوعي الكافي عن طرق الترخيص.
كيف أثّرت بيوت الضيافة على الفنادق؟
في حديثه لـ”النهار”، يشرح نقيب الفنادق في لبنان بيار الأشقر، أنّها تؤّثر ولا تؤثّر في الوقت نفسه على الفنادق. فهي معظمها موجودة في المناطق النائية والتي لم تكن موجودة على الخارطة السياحية، وفي غالبيتها بلدات صغيرة يتواجد فيها بيت ضيافة واحد.
ومن حيث الحجم، لا يتعدى البيت منها الثماني غرف نوم أو 10 في الحدّ الأقصى، ولا تمثّل بالتالي أكثر من 2000 غرفة إذا ما اعتبرنا أنّ عدد بيوت الضيافة حالياً هو 200 بيت. والـ 2000 غرفة تعني وجود 4000 شخص فيها، “لذلك، الأعداد هذه لا تؤثر على عمل الفنادق”، وفق الأشقر. لكن ما يؤثر هو الـ airbnb لأنّه لا يخضع للقانون وغير مراقَب، على عكس بيوت الضيافة والشقق المفروشة والفنادق التي تطلب هوية أو جواز سفر أو أي بيانات ثبوتية لتذهب أخيراً إلى الأمن العام. أمّا مع الـ airbnb فلا أحد يدري كم هو عدد الأشخاص الداخلين إلى المنزل ومَن هم.
وبحسب الأشقر، جزء كبير من السياح العرب الذين يأتون إلى لبنان، يفضّل الـ airbnb، خصوصاً عندما يكونون مجموعات صغيرة، ولاسيما المتواجدين في العاصمة، “نعم هنا يؤثّرون سلباً على الفنادق”.
وهناك ميزة لدى بيوت الضيافة أنّها تحرّك الاقتصاد في البلدات المتواجدة فيها، وتنشّط السياحة، فلكل بلدة ميزة سياحية معينة تجذب السياح وباتت هذه البلدات هي التي تسوّق لنفسها. إضافة إلى النشاطات والمغامرات في الطبيعة، التي باتت توجّها جديداً في السياحة وتتلاءم مع مفهوم بيوت الضيافة.
أمّا الوافدون إلى لبنان، فيجرّبون الفنادق وبيوت الضيافة بحسب تفضيلات كلّ منهم. وغالبية الجنسيات العربية التي تأتي بشكل مكثَّف في الفترة الأخيرة إلى لبنان مثل المصرية والأردنية والعراقية، غالبيتها يرتاد الفنادق في بيروت، وهم ليسوا زبائن مغامرات، على عكس الغرب. ومعظم المغتربين ينزلون في منازلهم، لكن الذين يفضّلون بيوت الضيافة هم المغتربون القدامى والبعيدون مثل في أستراليا وكندا والمكسيك.
كيف تختار بيت الضيافة الملائم؟
ينصح مدوِّن السياحة ومؤسِّس تطبيقي “كزدرني” السياحي عبد بوشية خلال حديثه لـ”النهار”، الأمور التي يجب مراعاتها خلال اختيار أي بيت ضيافة.
ففي ظل الانتشار الكثيف لهذه البيوت ما بين مخول وغير مخوَّل لهكذا مشاريع سياحية، “أوّل ما يجب فعله هو قراءة المراجعات (reviews) الموجودة على صفحات المؤسسات السياحية على مواقع التواصل الاجتماعي، فهي تجارب عاشها أشخاص في هذه المؤسسات، وهو أمر يساعد الفرد بشكل كبير، مهما كانت الوسيلة التي يحجز من خلالها”.
وينبّه بوشية من اختيار البيت بناءً على صوره الجميلة المنشورة، إذ يقع حالياً الكثير من الناس في هذا الفخ عندما يصلون إلى أرض الواقع ويكتشفون أنّ المكان مختلف عن الصور، أو يكتشفون أنّه بيت ضيافة مزوَّر.
ويجب النظر إلى ناحية الأمان ومدى مهنية هذه المؤسسات ومدى احترامها للبيئة وللنظافة. كذلك، يجب التأكّد من معايير السلامة المتعلقة بموقع البيت. فالكثير من هذه البيوت متواجد في قلب الطبيعة، يعرّض النزلاء إلى احتمالية هجوم الحيوانات المفترسة عليها مثلاً.