الأزمة تحرم اللبنانيين من موسم الحج
يسعى اللبنانيون إلى التأقلم مع الواقع المفروض عليهم منذ سنوات بفعل الأزمة المستعصية ويطوفون بين المحال والأفران والصيدليات لتأمين متطلّبات يومياتهم بشقّ النفس، و»يرجمون» السياسيين بالدعوات على ما أوصلوهم إليه.
فقد اللبنانيون الذين يعانون الأزمة الاقتصادية منذ ثلاث سنوات الأمل في تحسّن الأحوال، وعلى الرغم من توقّف الدولار الأسود على عتبة المئة ألف ليرة منذ شهرين، فقد اضطرّهم الى التخلّي عن عاداتهم وتقاليدهم بما فيها الدينية، لأنّ الغلاء بلغ مراسم الموت والدفن. يكيّف الناس الطعام والشراب كلٌّ على قدر استطاعته، وبحسب مدخوله، حتى أنّ البعض لا يُدخل اللحوم إلى منزله إلا مرّة في الشهر، وآخرون لا يشترون متطلّبات العيد من حلويات وغيرها لأولادهم، فكيف الحال بأداء فريضة الحجّ هذا العام في زمن الغلاء والتكلفة الباهظة التي وصلت حدوداً غير مسبوقة؟
انطلق ضيوف الرحمن من مختلف بقاع الأرض وتوجّهوا لأداء فريضة الحج للعام الثاني على التوالي بعد انقطاع قسري بسبب جائحة «كورونا»، وبدأ الحجيج أداء مناسكهم، وكانت حصة اللبنانيين ولا سيما البقاعيين عدداً لا بأس به في كل موسم، غير أنّ الأوضاع المادية هذا العام وغلاء التكلفة المحدّدة بالدولار حصراً منعت من يتوق لأداء الفريضة من الذهاب إلى الديار المقدّسة، حيث ذهبت إلى الحجّ هذا العام قلّةٌ قليلة من أبناء بلدات وقرى محافظة بعلبك الهرمل، معطوفةً على تراجع نسبة شراء الأضاحي وقد وصل سعر الأضحيّة منها الى أكثر من مئتين وخمسين دولاراً، وما بين الحجّ والتضحية من لا يستطيع شراء معمول العيد لأولاده.
بين 4500 و6000 دولار تكلفة الحجّ هذا العام في بعلبك الهرمل، تنقص أو تزيد بحسب شركة السفريات والحملة، ما دفع بالمسلمين جميعاً في ظل أقسى أزمة اقتصادية ومالية الى الامتناع القسري عن الحجّ، وتشير مصادر لـ»نداء الوطن» إلى أنّ شركة السفريات حدّدت هذا العام مبلغ 4000 دولار تكلفة تتضمّن مصاريف الإقامة في الفندق ومناسك الحجّ وتكاليف النقل. وأصحاب الحملات يضعون هامشاً للربح على السعر المحدّد حسب كل حملة ليصل الى ألف دولار وأحياناً ألفين، لافتة إلى أنّ هذه التكلفة فرضت نفسها بعد أزمة «كورونا» والإجراءات التي اتّخذت في المملكة العربية السعودية.
فعلى سبيل المثال، كانت الغرفة تستوعب 5 أشخاص، أما اليوم فيسمح لشخصين فقط. كذلك النقل، فالباص الذي كان يُقلّ 65 راكباً يسمح له اليوم بنقل 20، وقِس ذلك على الخيمة وكل الخدمات التي تقدّمها الشركات. وفيما كانت التكلفة سابقاً ألفي دولار أي ثلاثة ملايين ليرة أصبحت اليوم تصل حدود ستمئة مليون ليرة لبنانية، وهو رقم لا يستطيع أحد اليه سبيلاً، ويفضّل من كان ينوي الذهاب للحجّ بأن يؤمّن قوت عياله ويستعدّ للشتاء المقبل.
ويشير أصحاب الحملات الى انخفاض عدد الحجّاج هذا العام، فبلدة عرسال التي كان يذهب منها أكثر من ثمانين حاجاً، لم يتجاوز العدد هذا العام سبعة أشخاص، كذلك الأمر في عددٍ من القرى والبلدات التي لم يذهب منها أحدٌ قط، فيما لم يتجاوز الحجّاج من مدينة بعلبك عدد أصابع اليدين، وهو أمرٌ يحمل في طيّاته دلالة على هشاشة وضع الناس الماديّ.
ويحمّل أصحاب الحملات الشركات السياحية المسؤولية عن ارتفاع التكاليف، فالزيادة على كل حجّ لا تفوق الألف دولار، فيما انخفضت بدلات السكن في المملكة العربية السعودية. ويسأل البعض عن توقف المملكة عن تأمين تأشيرات مجانية للحجّاج، حيث كانت كل عام تقدّم المئات منها للبنانيين، غير أن أولياء الأمر يوزّعونها على من يرغبون، لا على المستحقّين، في وقتٍ قدّمت هذا العام لبعض الميسورين وأصحاب المناصب والمقامات والفضيلة.
نداء الوطن